المقالات

القواعد القرآنية  للمجتمع التوحيدي//  ج5


الشيخ طالب رحمة الساعدي ||

 

رحلة تدبّرية مع خطاب " ايها الذين امنوا ....." في مضان بعض التفاسير

القاعدة الثالثة : الاستعانة بالله تعالى:     "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَعينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرينَ " البقرة : 153

والتفصيل في بيان هذه القاعدة ،كالتالي :

اولا: روح الاستعانة هي العبادة .

الاستعانة و هي طلب العون إنما يتم فيما لا يقوى الإنسان عليه وحده من المهمات و النوازل، و إذ لا معين في الحقيقة إلا الله سبحانه.

وقريب منه ما ذكره العارف الكبير السيد السبزواري في تفسيره   ،

وبعبارة كلامية ، ان من خصائص ممكن الوجود هو الاحتياج فانه لازمه ، بل لا يمكن انفكاكهما – حدوثاً وبقاءً - ، وقد يُعبر عن هذه الخاصية بـ" الامكان الفقري" ، ومن هنا حُصرت الاستعانة به تبارك وتعالى بقوله " اياك نستعين " ، فهذا الاحتياج واللجو ما هو الا عبارة ثانية للعبادة للحق تعالى

و الإنسان المستعين حقّا، هو الذي تتضاءل أمام عينيه كلّ القوى المتجبّرة المتغطرسة. و كل الجواذب المادية الخادعة، و ذلك ما لا يكون إلّا حينما يرتفع الإنسان إلى مستوى القول: إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

ثانيا: مصاديق الاستعانة .

في النصوص المباركة ذكرٌ  لأبرز مصاديق العبودية والاستعانة ، وهي :

1-  الصبر

«الصّبر» لا يعني تحمل الشقاء و قبول الذلة و الاستسلام للعوامل الخارجية، بل الصبر يعني المقاومة و الثبات أمام جميع المشاكل و الحوادث.

لذلك قال علماء الأخلاق إن الصبر على ثلاث شعب:

الصبر على الطّاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة.

الصبر على المعصية: أي الثبات أمام دوافع الشهوات العادية و ارتكاب المعصية.

الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث المرّة و عدم الانهيار و ترك الجزع و الفزع.

قلّما كرر القرآن موضوعا و أكد عليه كموضوع «الصبر»، ففي سبعين موضعا قرآنيا تقريبا دار الحديث عن الصبر. بينها عشرة تختص بالنّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

تاريخ العظماء يؤكد أن أحد عوامل انتصارهم- بل أهمها- صبرهم و استقامتهم. و الأفراد الفاقدون لهذه الصفة سرعان ما ينهزمون و ينهارون. و يمكن القول أن دور هذا العامل في تقدم الأفراد و المجتمعات يفوق دور الإمكانات و الكفاءات و الذكاء و نظائرها.

من هنا طرح القرآن هذا الموضوع بعبارات مؤكدة كقوله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ‏  و في موضع آخر يقول سبحانه بعد أن ذكر الصبر أمام الحوادث: فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ  من خصائص الصبر أن بقية الفضائل لا يكون لها قيمة بدونه، لأن السند و الرصيد في جميعها هو الصبر، لذلك‏  يقول أمير المؤمنين علي عليه السّلام: «و عليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد، و لا خير في جسد لا رأس معه و لا في إيمان لا صبر معه» .

الروايات الإسلامية ذكرت أن أسمى مراحل الصبر ضبط النفس تتجلّى في مقاومة الإنسان عند توفّر وسائل المعاصي و الذنوب.

الآية التي يدور حولها بحثنا تؤكد للجماعة المسلمة الثائرة في صدر الإسلام خاصة أن الأعداء يحيطونهم من كل حدب و صوب، و تأمرهم أن يستعينوا بالصبر أمام الحوادث، فنتيجة ذلك استقلال الشخصية و الاعتماد على النفس و الثّقة بالذات في كنف الإيمان باللّه. و تاريخ الإسلام يشهد بوضوح أن هذا الأصل كان أساس كل الانتصارات.

2-  الصلاة

  الموضوع الآخر الذي أكدت عليه الآية أعلاه باعتباره السند الهام إلى جانب الصبر هو «الصلاة».

و روي أن عليّا عليه السّلام: «كان إذا أهاله أمر فزع قام إلى الصّلاة ثمّ تلا هذه الآية: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ...  .

و لا عجب في ذلك، فالإنسان حين يرى نفسه أمام عواصف المشاكل المضنية، و يحسّ بضعفه في مواجهتها، يحتاج إلى سند قوي لا متناه يعتمد عليه.

و الصلاة تحقق الارتباط بهذا السند، و تخلق الطمأنينة الروحية اللازمة لمواجهة التحديات.

فالآية أعلاه تطرح مبدأين هامّين: الأوّل- الاعتماد على اللّه، و مظهره الصلاة، و الآخر- الاعتماد على النفس، و هو الذي عبرت عنه الآية بالصبر.

ثالثا: نتيجة الاستعانة بالله هي الفلاح .

والمراد من الفلاح هو " الفلح: الشق و القطع. و أصل الفلاح الظفر بالمقصود و الفوز بالمطلوب بعد الكد و الاجتهاد فكأنه قد قطع المصاعب حتّى نال مقصوده و لا يطلق إلّا في الخير، فالمفلحون هم الذين أدركوا و أمنوا مما منه فزعوا في الدنيا و الآخرة كما هو مقتضى الإطلاق."

وقد جُعل الفلاح نتيجة لعدة اعمال يمكن لأحاد المجتمع الاسلامي القيام بها في حياتهم اليومية ، وقد عده بعض المفسرين بانه نتيجة لبرنامج عملي يتكون من عدة خطوات قد ذكرتها  آيات مختلفة من القران الكريم  ، اي ان جميع ذلك من اسباب الفلاح بل لا فلاح إلّا بذلك. و انما ذكر «لعل» بداعي الترغيب الى ذلك بحسب أذهان المخاطبين.

 

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك