مهند حسين ||
لايوجد نبض حياة للسياسة ولاداعي لاستمرارها في عراق ما بعد 2003، ما لم تهيئ لها الأرضية المناسبة، لأن السياسيين لا يسعون في ذلك سبيلا، وذلك يتمثل في نظرة المجتمع السلبية لمن يزاولها، ونظرة الفرد نفسه لها، كأنها أصبحت فقط مجالا لتضييع الوقت لا أكثر.
ومن هنا فقد المجتمع الثقة في السياسيين وبالتالي ضاع مفهوم السياسة، وما أحوجنا إليها.
حين تفقد السياسة قيمتها تصبح ضربا من الكلام الفارغ الذي لايعبر إلا عن تأملات في الواقع القريب أو البعيد الأمر الذي يجهض تفكير المجتمع مع انتظار نتيجة هذه التأملات التي يستغل فيها السياسي المجتمع إلى أن يصل إلى مكانة أعلى من هرم السلطة.
أصبحت السياسة عندنا حصان لكل عاطل عن العمل، أو شخص فشل في تعليمه، أو في إيجاد وظيفة ما، أو لأسباب قبلية أو جهوية..
السياسة ليست بالوراثة حتى نورثها لأبنائنا، أو أبناء قبيلتنا إنها فكر والفكر لا يورث، وإنما يعتمد على طريقة تفكير الفرد الذي يرى في السياسة ممارسة ينقذ بها مجتمعه من ضباب الفوضوية التي يعيشها من أجل رؤية عصرية لمجتمع مدني.
إن إشكالية كثير من السياسيين اليوم هي أنهم يروا أن السياسة ليست بالفكر وإنما بالتقليد والتقيد، مع أن العكس صحيح " وقد أصبحت أمية الحاكم ظاهرة لا يمكن إخفاؤها، ويصاحبها التعالي عن مشورة المفكرين والاستعانة بأدعياء المعرفة.
إن التفكير السياسي ليس وليد الفراغ بل هو نتاج لتراكمات عديدة من التجارب، وهذا التخبط الذي نعيشه هو مايفسر إقبال غير المتخصصين في السياسة إلى ميدان السياسة لأنهم لايعتبرونها مبنية على معطيات علمية وموضوعية مع أن العكس صحيح.
وبما أن السياسة مصدرها العقل فهي مبنية على التفكير السليم الذي يخدم المجتمع بصورة أساسية، لذا تحتاج إلى الذكاء أكثر من أي وقت مضى، إلى إتخاذ القرارات الصحيحة التي تخدم الوطن والمواطن.
السياسة هي إنتاج الأفكار التي من خلالها يمكن النهوض بالمجتمعات نحو التقدم والازدهار، هي النهوض من عبثات الماضي ومخلفاته وهي القدرة على تعبئة موارد المجتمع لبلوغ الأهداف التي يتم من خلالها القيام بتعهد علني عام، وهو ما يتمثل في الخطابات السياسية السائدة، وفي حرب التغريدات التي تشهدها الساحة الإعلامية العراقية، لكن تبقى الصورة واحدة وهي في الدور الذي يلعبه السياسي في تحقيق أهداف المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أن النجاح السياسي لفرد ما يكون على حساب فرد آخر معارض له، لكن ماذا إذا كان نجاح السياسي على حساب المجتمع ؟
لا يمكن للسياسة أن تكون عدوا للمجتمع بقدر ماهي تلبية لحاجياته لأن السياسة تستهدف المجتمع ولا تعارضه في الغالب.
إن الصراع السياسي دائما ما يكون فيه مصلحة المجتمع بحيث يحصد ثمرته، لأن كل الأحزاب السياسية عندما تسعى إلى توسيع نطاق حدودها في المجتمع والدولة عن طريق رسم سياسات إصلاحية تساهم في عملية تسيير البلد بطريقة عادلة يتساوى فيها المجتمع بصورة عامة، بهذا تكون السياسة قصدية وذلك بالتفكير العميق نحو التطور والازدهار.
يختلف مفهوم السياسة من مجتمع لمجتمع، وإذا كنت تتقن فن الكلام فقد أتقنت السياسة وصرت مثالا يحتذى به، بل ونموذجا يريد كل فرد من المجتمع يطمح للمراتب السياسية أن يكون على قدرك وأن يصل إلى مكانتك التي لايمكن الإقلال من قيمتها لأنهم يتعاملون مع السياسة بالهرطقة فقط .
لايتعاملون معها كآلية للفكر العميق تنير أفكار المجتمع وتبحث بكل السبل عن وسيلة بها تطبق العدالة الاجتماعية أو تسعى إلى تحقيقها عن طريق نشر ثقافة الوعي وزرع بذور المواطنة في المجتمع.
ومن هنا فسد مفهوم السياسة وأصبحت لعبة يساء إستخدامها لأهداف غير مشروعة سياسيا ولا أخلاقيا طابعها الأساسي هو الشخصنة الذي يحاول الفرد من خلالها أن يحصل على مكاسب مادية.
والمشكلة هي أن الضحية الكبرى هي المجتمع الذي يوهمه السياسي بتطويره فيستغله في نهاية المطاف بأبشع الطرق الأمر الذي جعل المجتمع يفقد الثقة في السياسة ورجالها.
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha