المقالات

السياسة بين الدين والديمقراطية /1


علاء طه الكعبي ||

 

لعل المتابع الجيد للأحداث السياسية يرى الاستخدام المفرط في المصطلحات والالفاظ، التي تحاول شرح العلاقة السياسية بين الدين والديمقراطية، ويُرى التشبث الواضح لكلا الممارسين للسياسة سواء كان اسلامي أو مدني، بمبادئهم واهدافهم التي لا يتنازل بعضهم للبعض، لكي تحقق جانب من المعادلة السياسية والاجتماعية، ونصل في النهاية إلى الحكم لبناء دولة تؤمن بأحقية العيش لكل انسان مهما اختلف في تفسيره لطريقة عيشه في هذه الحياة التي منحها الله للجميع، وقال عنها أمير المؤمنين علي (عليه السلام), ( ان لم يكن لك اخ في الدين فهو نظير لك في الخلق).

ان سوء الفهم الحاصل للعاملين في السياسة، وترجمتهم للعامل المشترك بين الدين والدمقراطية، وطريقة استخدام كل منها، والفهم والمعنى لكل منهما، فالمشكلة ليست في الدين بل في فهم الدين وطريقة استخدامه، وكذلك المشكلة ليست في الديمقراطية بل في توظيف وفهم معنى الديمقراطية.

الافراط والتفريط في معنى الاثنين هو الذي يصل بالسياسة إلى الفشل، فكلا الطرفين يبحث عن الكيفية التي يسقط بها الاخر، ولا يبحث عن المشتركات الموجودة في الدين والديمقراطية، وعملية التوظيف التي يسعى لها كلا الطرفين، هي توظيف شخصي الغاية فيه المصلحة الشخصية، وليس مصلحة الامة، حتى أصبح المتلقي المدني يتعامل مع الدين وكأنه عائق أمام الديمقراطية، وأصبح المتدين يظن أن الديمقراطية تستهدف عقائده، ولابد من الدفاع عن تلك العقائد بعملية استأصال لتلك الديمقراطية.

هذا الخيط الرفيع الذي يسمى سوء الفهم في التوظيف، قد يجعل من الاسلامي يكفر المدني، ويجعل من المدني دكتاتوريا ملحدا.

كما أننا في محاولة لفهم سوء العلاقة هذه، نسعى أن لا يصار إلى التعسف في توظيف الدين لتنفيذ مصالح بعض المتدينين، بذريعة خدمة الدين وان ( الاسلام دين الدولة الرسمي) ولا إلى توظيف السياسة عبر إلغاء الدين لخدمة بعض السياسيين بذريعة الحريات الشخصية وعدم المساس بمادئ الديمقراطية وحقوق الانسان.

وهي بسهولة، ومن الممكن أن نختزل سوء الفهم والعلاقة، بنقل الحكم إلى ايدي المؤمنين أو نقل الايمان إلى قلوب الحكام، واذا استصعبنا الأمر فلابد من تقاسم السلطة ويبقى الدستور والقانون فوق الجميع.وعدم المساس بمقدسات الطرفين ومراعاة خصوصية القيم والاعراف والثقافات في المجتمعات الدينية.

هذه الغزارة في استخدام الالفاظ والمصطلحات السياسية، والفكرية، والثقافية، والدينية، جعلت من المشهد السياسي يزداد تعقيدا، وهي مجرد تويهمات، وجعلت من السياسي بشتى انواعه،  يحافظ على قداسة هذه المصطلحات ورموزها ويحذر من التحرش بها، أو بهم وبمقدساتهم.

بالتأكيد اذا غابت السياسة وغاب القانون، فالبديل هو الشارع أو الفوضى، واذا غاب الفكر والثقافة فالبديل هو النوم والتخلف واليأس والتذمر .

ماركس عند المدنيين، كان يمثل الديمقراطية، ولكنه اهمل دور وشان الدين، وانشغل بالرد على المتدينين، وبالنتيجة اهمل السياسة.

وعلي عليه السلام كان رمزا للتدين، واهمل المنتمون له عدالة وسياسة علي، وتمسكوا بالرد على المدنيين.وتناسوا أو نسوا ما ردده علي (على السلام) وكرره مرارا على منبره ( ما رأيت نعمة موفورة الا وبجانبها حق مضيع). نعم هي مقولة، توظف العلاقة لكل الجوانب الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، بغض النظر عما يؤمن به الفرد، الذي يعيش في تلك الدولة.

الدين الإسلامي وخصوصا الفقه الشيعي على مدار الدهر، فهو اكثر الشعوب الذي يؤمن بالعيش الكريم للانسان، والمذهب الوحيد الذي لا يؤمن بالتكفير، وهو يسعى دائما إلى احترام حقون الانسان، ويكره العمل بالدكتاتورية، وما يحدث هنا أو هناك هو توظيف شخصي، فالاسلام هو الديمقراطية بذاتها، ولكن للحريات حدود، تلك الحدود التي تمنع التجاوز على حقوق الآخرين واحترام الرأي والرأي الاخر.

ربما اخفق المتدين في ايصال فكرة الاسلام وتفسيره للديمقراطية، بسبب عدم فهمه للسياسة وادخاله المصطلحات الفقهية، جعلت من المدني يسيئ الظن به، اضافة إلى نوعية الشخوص التي تمثل الاسلاميين والتي تشتغل بالسياسة، وكذلك المدني الذي يعمل بالسياسة، فهم من السياسة أنها الحرية المباحة والديمقراطية الأوروبية المصدره له من الخارج، فأراد تطبيق الديمقراطية الأوروبية في بلد، إلاغلبية فيه مسلمة.

فلا افراط في تطبيق الدين ولا تفريط في حقوق الناس، ولا ديمقراطية بمعنى الانحراف والتسيب، ولا حرية تدعو للمثلية. احترام  عادات وتقاليد واعراف الناس، والقانون والدستور، هو من يضبط تلك العلاقة بين الدين والديمقراطية والتي بابها السياسة.

 

ــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك