المقالات

مُحمّد بن أبي بكر، رَبيب عَلي (ع)


ماجد الحدّاد ||

 

إن التأريخ الإسلامي و الشخصيات الإسلامية و أحداث الأمة عامةً تفيض بالدروس و العِبر التي لطالما أستفاد منها المسلمون و أخذها و إنتبهوا إليها و لكن كما يقول أمير المؤمنين (ع) : "مَا أكثرَ العِبَر و أقلَّ الاعتبار" ، فالعِبر كثيرة و موجودة بكل زمان و مكان و لكن الغفلة و عدم نقل الأحداث بمصداقية و تزييف المؤرخين للحقائق و تسلّط حكام الجور على رقاب الأمة حالت بين ذلك ، و من تلك الشخصيات الإسلامية من حواري الإمام علي (ع) و رَبيبه و سَيف من أَسيافه هو مُحمّد بن أبي بكر (رض) .

هو مُحمّد بن أبي بكر بن أبي قحافة (إبن الخليفة الأول) ، و أمهُ أسماء بنت عميس الخثعمية كانت زوجة الشهيد الطيار جعفر بن أبي طالب (رض) و هي من المهاجرات إلى أرض الحبشة ، و تزوجت أبو بكر بعد إستشهاد الطيار في معركة مؤتة ، فأنجبت له محمدًا سنة 11 للهجرة - حجّة الوداع - ، و توفي أبو بكر سنة 13 للهجرة .

ثم تزوجها أمير المؤمنين (ع) ، فتربّى مُحمّد في حِجره و عاش في كَنَفه فكان رَبيبَه ، حتى قال فيه (ع) : "مُحمّد ابني من صُلبِ أبي بكر" .

فكان الابن البار لأمير المؤمنين ، فقد عاش معه في رحلة جهاد و كفاح طويلة و شاقّة ضد الباطل ، لم يفارقه منذ أتّبعه و ظل ملازمًا للإمام حتى آخر حياته .

من أبرز المحطات التي تجلى بها ثبات و ولاء ابن أبي بكر لأمير المؤمنين (ع) هي الفتنة التي أصابت الأمة في حرب التأويل (معركة الجمل) ، فقد نصر الإمام و وقف معه ضد الباطل ، إذ قد بلغ رشده في هذه الفترة و أثّرت في نفسه و صاغت شخصيته من المعرفة و الإدراك و البصيرة للأمور ، لأن هذه الفترة قد غربلت الكثير من الشخصيات المهمة في الإسلام و قد فشلوا في الاختبار و خرجوا ظالمين لأمير المؤمنين (ع) .

قاتل بكل بسالة و شجاعة في معركة الجمل ، و لمّا أستقر القتال و اشتبكت الصفوف ، نادى أمير المؤمنين(ع) بعقر الناقة ، فكان مُحمّد بن أبي بكر من بين المتقدمين في الصفوف لعقر الناقة ، و بعد أن عُقرَت و فرَّ أصحاب الجمل ، قطع مُحمّد البطان و أخرج الهودج ، فقالت عائشة : من أنت ؟.

فقال مُحمّد : أبغض أهلك إليك .

فقالت عائشة : ابن الخثعمية ؟.

فقال مُحمّد : نعم ، و لم تكن دون امهاتك .

فقالت عائشة : لعمري بل هي شريفة ، دع عنك هذا ، الحمد لله الذي سَلّمك .

فقال مُحمّد : قد كان ذلك ما تكرهين .

فقالت عائشة : يا أخي لو كرهته ما قلته .

فقال مُحمّد : كنت تحبين الظفر وأني قتلت ؟!

فقالت عائشة : قد كنت أحب ذلك ، و لكنه لما صرنا إلى ما صرنا إليه أحببت سلامتك لقرابتي منك ، فأكفف و لا تعقب الأمور ، و خذ الظاهر و لا تكن لومة و لا عذلة ، فإن أباك لم يكن لومة و لا عذلة .

و جاء علي (ع) فقرع الهودج برمحه و قال : يا شقيراء بهذا أوصاك رسول الله ؟

فقالت : يا ابن أبي طالب ملكت فأصفح و ظفرت فأسجع .

فقال أمير المؤمنين(ع) : والله ما أدري متى أشفي غيظي ؟! أحين أقدر على الإنتقام فيقال لي "لو عفوت" ، أم حين أعجز عن الإنتقام فيقال لي "لو صبرت" ، أصبر فإن لكل شيء زكاة ، و زكاة القدرة و المكنة العفو و الصفح .

ثم ألتفت (ع) إلى مُحمّد و قال له : شأنك بأختك فلا يدنو منها أحد سواك .

نعم ، هذا مُحمّد بن أبي بكر كان الموالي و المناصر لإمامه ضد أخته صاحبة الجمل ، فكان لا تأخذهُ في الله لومة لائم ، لم يتردد أو يتراجع أو ينكسر من أجل الحق .

فلو كان شخصًا آخر غير مُحمّد ، لكان قد رجّح نصرة أهله (أخته) على سبيل الحق ، أو قد يتردد في الفتنة و يقف على الحياد و يبتعد عنها .

و لأن أمير المؤمنين (ع) يقول "أعرف الحقّ ، تعرف أهله" ، فكان واضحًا و جليًا لدى مُحمّد أن عليًا (ع) هو الحق ، و يعطي العمل الشخصي طابعه الرسالي ، لا طابع المكاسب الشخصيّة بالنسبة إليه .

أستشهد مُحمّد بن أبي بكر في مصر ، في 14 صفر من عام 38 للهجرة ، بعدما ولّاه أمير المؤمنين (ع) ولاية مصر ، إذ شهدت مصر حالة عصيان و تمّرد ضد مُحمّد من قبل الطالبين بدم عُثمان و لم تستقر عليه أبدًا ، و بعد الانتهاء من حرب صفّين استغلَّ معاوية بن أبي سفيان حالة الفوضى فبعث إليها عمرو بن العاص و إنضم إليه المتمردين ضد مُحمّد ، و دارت بينهم المعركة حتى قُتلَ أصحابه و جُرحَ مُحمّد ، و بقي وحده ، و لم يعرف إلى أين يمضي و أنتهى به الطريق إلى خربة فآوى إليها ، حتى عثروا عليه و كان مُثقلًا بالجِراح و التعب و كاد يموت من العطش ، ثم وجدهُ معاوية بن حديج و قتله و أدخله في جوف حمار ميت و أحرقه !!.

لما بلغ الإمام علي (ع) خبر مقتل مُحمّد ، حزنَ كثيرًا حتى تبيّن في وجهه و قيل له "لقد جزعت على مُحمّد بن أبي بكر جزعًا شديدًا يا أمير المؤمنين !" ، فقال (ع) " و ما يمنعني ؟ إنه كان لي ربيبًا و كان لبنيَّ أخًا ، و كنتُ لهُ والدًا أعدّه ولدًا " .

فالسلامُ عليك يوم ولدت و يوم إستشهدت و يوم تبعثُ حيًا .

 

ــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك