المقالات

الاجتماع العراقي والاجتماع الشيعي: من الذي طبع الآخر بطابعه؟/ 4

1286 2022-08-29

علي المؤمن ||

 

كمقاربة أولية؛ أعتقد أن سر التماهي والتشابك والتفاعل بين الاجتماع الشيعي والاجتماع العراقي، لايتعلق بالتشيع والشيعة وحسب، بل بطبيعة البيئة العراقية الأصلية أيضاً، أي البيئة السومرية البابلية للفرات الأوسط والجنوب، وتكوينها التاريخي، منذ خمسة آلاف سنة؛ فهي بيئة تنسجم نفسياً وسلوكياً مع عقيدة التشيع واجتماعه الديني ومساره التاريخي الثوري المعارض والمقموع؛ فالبيئة العراقية الأصلية هي بيئة رفض واعتراض وثورة وتمرد على السلطة والحاكم والظالم؛ ما جعلها تتفاعل تلقائياً مع طبيعة المسار الشيعي المعارض للسلطة واجتماعها السياسي والديني. أما المناخات الوافدة الى العراق، أي غير العراقية؛ فكانت على العكس؛ إذ انسجمت تلقائياً مع مسار السلطة وتطبّعت بطابعه، منذ الاحتلال الأموي للعراق وحتى نهاية الاحتلال البعثي؛ حتى إن الغالبية الساحقة من الثورات والحراكات الثورية الشيعية ضد السلطة الظالمة حدثت في العراق، منذ نهضة الإمام الحسين وثورات التوابين والمختار وزيد، وحتى انتفاضات النجف والصدر والشعبانية، أي أن العراق بقي طيلة ١٣٧٠ سنة، يشكل جغرافيا الصراع المستدام بين السلطة الأجنبية السنية (أموية وعباسية وايوبية وسلجوقية وعثمانية وبريطانية وحجازية وبعثية) والمعارضة العراقية الشيعية؛ بالنظر لتأثير البيئة العراقية في المسار الشيعي، وبلورتها طابع الرفض والمعارضة فيه، كما ذكرنا سلفاَ. بينما ظلت بيئة الشام ومصر وشمال افريقيا أيضاً؛ منسجمة مع السلطة في العهود الأموية والعباسية والأيوبية والسلجوقية والمملوكية، ولم تشهد ثورات وحراكات ضد السلطة؛ إلّا تلك التي قادها العلويون والشيعة الهاربون من العراق والحجاز، بل حتى الدول التي أسستها المعارضة في شمال العراق والشام ومصر، كانت دولاً شيعية، كالحمدانية والإدريسية والفاطمية، وكثير من قادتها كانوا عراقيين، ولكن حين سقطت هذه الدول بالأساليب الدموية التي سجّلها التاريخ؛ فإن القادة العسكريين العباسيين، كصلاح الدين الأيوبي، الذين تمكنوا من القضاء على الأغلبية الساحقة من الوجودات الاجتماعية الشيعية في هذه البلدان؛ قد فشلوا في العراق فشلاً ذريعاً، ولم يستطيعوا تفكيك المجتمع الشيعي العراقي، إذ ظل الشيعي العراقي عصياً على الاجتثاث، بفضل طبيعيته الذاتية المقاومة المعارضة الصعبة، بل بقي يتمدد اجتماعياً ومذهبياً، رغم استمرار محاولات الخصوم، وتنوع أشكال هذه المحاولات ومضامينها، كلما حلّت سلطة جديدة، حتى يبدو للباحث أن الحالة الواقعية المنسجمة مع قواعد الانثروبولوجيا والسسيولوجيا وعلم النفس الاجتماعي، هي أن يكون العراقي شيعياً بالفطرة وبالتكوين. وأعتقد أن شيعة البلدان الأخرى الذين تمسكوا بوجودهم الاجتماعي الديني وانتمائهم للتشيع؛ قد اقتبسوا من شيعة العراق واجتماعهم المقاوم الحاد؛ هذه السلوكية، العصيّة على الاستسلام للآخر المذهبي وسلطته وقمعه، بمن فيهم شيعة إيران، الذين يشكلون اليوم الأكثرية الشيعية السكانية في بلدهم؛ فالذي زرع بذور التشيع في ايران ونشره هم العراقيون، ابتداءً من قم والري وخراسان والديلم والأهواز، والذي أسس للاجتماع الشيعي في ايران هم العراقيون، والذي قاد الثورات الشيعية وأسس أولى الدول الشيعية في إيران، هم العراقيون؛ فقد كان القادة والمؤسسون فيها عراقيين غالباً، بينما كان الفرس والآذريين واللر مادة هذه الثورات والحراكات والدول، حتى نرى اليوم؛ إن الإيرانيين حين يتغنون بالثورة والمقاومة؛ فإنهم يضعون أسماء الرموز الشيعية العربية والعراقية في المقدمة، بدءاً بالإمام الحسين ومالك الأشتر والمقداد وعمار والعباس وحبيب والحر، وليس انتهاءً بالتوابين والمختار، وهو ما يؤكد أن الاجتماع الديني الشيعي، بصيغه المحلية والعالمية، هو نتاج تفاعل البيئة العراقية الأصلية واجتماعها وسلوكياتها، مع مسارات نشوء التشيع وحراكاته العقدية والسياسية.

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك