المقالات

ثواكل الشهداء في طريق مِنى..!


كوثر العزاوي ||   على ضفاف الذكريات، ومن وحي الزمن الدامس.. يمر في خاطري وأمام ناظري مشهد لم يبارحني  ماحيِيت، رغم مرور مايقارب الخمسة عشر عامًا، بينما كنت مع والدتي في أداء فريضة الحج ولم يسبق أن حَجَجْنا قبلها في زمن طاغية العراق، ونحن في الطريق مع شريحة من عوائل الشهداء، حيث صعيد مِنى في أول أيام عيد الأضحى، وفي زحمة السير وشبه انعدام  الحركة للحافلات، لكثرة أعداد الحجيج وضيق الشوارع، وبينما أنا مستغرقة بالذكر والتسبيح، إذ أُرسل بنظرة تفقديّة بين الحين والآخر  لوجه امّي السمح الذي أخفى وراءه ألف آهة ولوعة.. لأراها هي الأخرى في تأمّل، ومسحةِ حزنٍ دفين تسترها بابتسامة ذابلة على شفاهٍ لم تنفك متمتمة ذاكرة، ثم ما ألبث أن أعود مسنِدةً رأسي على حافة المقعد المخصّص، وفي غمرة السكون اذ حدثت جَلَبة!! أصواتٌ تهمَس وأخرى ترتفع! وقد اشرأبّت الأعناق كمن يريد التحقق من  أمر ما..ترى ماذا جرى! هل سننزل من الحافلة وما زالت المسافة أمامنا طويلة؟!! لا، لايبدو ذلك! وبين التوجس والاستفهام، إذ علا صوت السائق قائلا: حجاج حجاج بشرى سارة! {أَعدَموا صدام أَعدَموا صدام}ياإلهي!! ارتبكت الحركة بشكل لايوصف فلاتسمع سوى احتدام الكلام والكلّ مابين مصدِّقٍ ومكذّب، فمِن الأمهات من زغردت دون التحقّق والدموع تداعب جفنيها، وبعض الآباء سجد في ممرّ الحافلة شكرًا، وحشرجةُ صوتِه تتعثر كأنها مقدّمة لصرخةٍ تتهادى لتزيح صخرة سنين الصبر عن صدره!! وشيئا فشيء، تحوّل الصخب الممزوج فرحًا إلى رثاءٍ ونعيٍ وبكاء! ويا لتلك الأصوات الشجية الناعية، وقد عزفت لحن الأمومة الثكلى التي تميزت به حناجر الثواكل الجنوبيات من الزينبيات الصابرات، فوالله كأنّي بالسماء انفطرت، وكأنّ الجبال تصدعت من شدّة حنين ماحملت ناعية الأمهات النادبة أولادها ومما رسخ في ذهني تلك المقطوعة:{{يبني يبني نارك شبت بگلبي شبابه وفگدگ گطّعه الچبدي يويلي آه يمّه}} ولك أن تتخيل هذه المعزوفة الموجِعة!! وفي زحمة تلك الانعطافة انتبهت لنفسي وجدتُ يدي تقبض على يدِ أمي بقوة، وأمّي في صمت كمن لاوعيَ له! ومن شدة وقع الخبر عليها حاولتّ أن اكلّمها بابتهاج، وجدتها واعية وعيناها تمطر بصمت ماينسجم مع طبعها الهادئ، ولاانسى ابدا كيف حدّقت بعينيّ بقوة الواثقة قائلة:{يمه..يعني صدام مات؟؟ يعني بعد ماكو صدام؟ يعني وُلْدي راح يرجعون، ردّي عليّ يمه..!!} لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم! فلم أملك حينئذ امام هذا الفصل المأساوي إلا أن أضمها إلى صدري وأجهش بالبكاء..حقًا بعض محطات الحياة ليس لها إلا الصمت والدعاء، الرحمة والرضوان لشهداء العقيدة ولذويهم الصابرين ولعن الله أعداء الله من الأولين والآخرين إلى يوم الدين،   ١٠-ذوالحجة١٤٤٣هج ١٠-٧-٢٠٢٢م
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك