كوثر العزاوي ||
كلُّ شيئٍ في هذا الدَّهر مجبول على الضدّ..على الدَّمعَة والبَسمَة..على المحبة والبغض..على الذّكريَات الجميلة والمفاجآت الصادمة..على الثبات والتزلزل..على الإنتصار والإخفاق! وهكذا حتى ندرك أن لا شيئ يُوحِي بأنَّ هذا الوجود هو جَنَّة من طُمُوحٍ وآمال..ووافر من رفاهية ورخاء! أبدًا، ليس هذا ظنّ العقلاء!! وحالهم كالغُرباء في أوطانهم ، كلٌّ يقف على قارعة طريق وقد أُثقِلَ بمختلف الآهات والتساؤلات، يُبصِرُ المخلوقات، بعض من مظاهر الطبيعة، وطائفة من البهائم والحيوان، ومعاشر من بني الأنسان، والعالَم في تحوّل وتَقلّبٍ مستمر، فما رأيتهُ بالأمس قد لاتراه اليوم، ولعل ماسمعتهُ من قبل يناقضُ فعل اليوم، فضلًا عن قلبِ القيم إلى مفاهيم لاتنسجم مع مُتبنَّيات الكمال والجمال، فإسداء المعروف أصبح تدخّلًا، والحرص تطفّلًا، والإحسان تملّقًا، والشغف حُمْق، وهكذا الحياة كل يومٍ يموت فيها جزءٌ من البرّ، ويخبو بعض من سِحر! ولا تستمر بالوتيرة نفسها، وقد عزَّ الثبات! كما نحن أيضا نتغيَّر لدرجة الصمت والاعتزال، لأننا نُصدَم ونفشل، نَفقِد ونُكْسَر، تخوننا الظنون وتخيب فينا الآمال، نتغيَّر لأنَّ الحقيقة لا تُفصِح عن نفسها دفعةً واحدة، بل تمهِلنا وقتًا ثمّ تتكشَّف تدريجيِّا عبر مراحل مُستقطَعة تكاد تفتِك بالروح التي تمنح الحب ولاترجو غيره، تلتمسُ العطاء بلا مِنّة، مايؤكد أنَّ ما بين إنسان الأمس وإنسان اليوم وجعًا طويلًا، وخسارَات مختلفة، وذكريات أليمة، وكمائِنَ دَهر لايُشْفِق! غير أنّ مايثير الرضا في النفس ويبعث على الغبطة هو: أن كل تلك الهواجس والقلاقل إنما هي جزءٌ مِن مُرَكَّبَات "تجربة الإنسان" التي تصنع منه إنسانًا مقاوِمًا، وأنّ الأشياء بأسبابها.
والأرزاق بمسمّياتها.
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
١٧ذو القعدة١٤٤٣هج
١٧-٦-٢٠٢٢م