المقالات

فرح المعرفة وفرح الجمادات..!


  د.علي المؤمن ||       يستغرب بعض معارفي من السياسيين والمسؤولين ورجال الأعمال حجم فرحتي عندما يصدر كتابٌ جديد لي، أو عندما ينشر أحد الباحثين مقالاً حول أحد كتبي، أو حين أقدم محاضرة فيها مقولات جديدة، أو حين يقام حفل توقيع وتكريم لي، أو عندما أحضر مناقشة رسالة أحد طلابي، كما يستهجن آخرون منهم أن أصرف أغلب مردودي المادي البسيط على مشاريع بحثية وثقافية وخيرية، ولا أفكر ــ مثلاً ــ بشراء بيت أو سيارة، ويمتعضون حين نستغرق مع بعض الأصدقاء المتشابهين في الاهتمامات، في النقاشات الفكرية والثقافية، ويعدّونها ترفاً ذهنياً و(بطر). أما استغراقهم هم في أحاديث السياسية اليومية والمناصب والمشاريع الاقتصادية والاستثمارات؛ فيعدونه صلب الواقعية والاندكاك بالحقائق وبمتطلبات الحياة العصرية.     وفي المقابل؛ أستغرب حجم فرحة بعض هؤلاء حين يتحدث عن شراء بيت جديد بثمن باهض، أو عن مواصفات سيارة فخمة، أو مشروع استثماري تحققت منه أرباح كثيرة، أو منصب رفيع، أو حسابات مصرفية باسم الأولاد. نعم استغرب؛ لأنني أعتقد أن هذه الأمور المادية العابرة لا تشكل أية ميزة ولا أية مدعاة للتفاخر والفرح الحقيقي، مقابل إنجاز فكري وثقافي، ومشروع معرفي، وعمل خيري، بل لا أجد أية ميزة لبيوتهم وقصورهم على بيتي البسيط، ولا لسياراتهم الفخمة على سيارتي المتواضعة، ولا يشغل هذا الموضوع أي حيز من تفكيري، إلّا بمقدار ما يشكل لي مادة للدراسة والتأمل.        لا أعرف لماذا لايتسرب الى نفسي أي إحساس بأن هذه الجمادات والمواقع يمكن أن تفرحني إذا حصلت عليها؛ ليس لأنني لم أجربها، أو أنني أدّعي الزهد والتصوف والانعزال عن فتن الدنيا وملذاتها؛ بل لأنني لا أمتلك خاصية الشعور بالفرح والتفاخر في الجمادات، التي هي مجرد وسائل للعيش الطبيعي، لا أكثر، ولا يأخذ منها أصحابها الى قبورهم ولا بحجم رأس إبرة، بل يتحملون وزرها في الدنيا قبل الآخرة، خاصة بعد أن يورثونها للأبناء والأصهار، بينما سآخذ معي الى قبري أعمالي المعرفية المنذورة، وهي باقيات صالحات، وزكاة دائمة وصدقة جارية، تنفع البلاد والعباد، ولن أتحمل وزر ما سأورثه لأولادي؛ بل سيرثون ما يزيدهم فخراً وعزاً.        ولست هنا في وارد نقد أحد أو نقد ظاهرة، أو تسجيل فضيلة لأهل المعرفة، أو إلقاء درس في الزهد والعمل للآخرة، إطلاقاً، بل هدفي هو الحديث عن إشكالية نفسية إنسانية تكوينية، لا دخل للإنسان ـــ غالباً ـــ في التأسيس لها داخله أو صناعتها في جيناته وعقله وقلبه؛ فلكل إنسان عشقه وهواه وهواياته وميوله ورغباته ومزاجه؛ فإذا كان عشق بعض الناس وهواهم يتلخص في الجمادات والمناصب والأموال؛ فأنا عشقي يتلخص في القلم والورقة واللابتوب والكتاب، وكلانا من حقه أن يعيش عشقه وهواه، ولا يمكن أن نُلام على ما نعشق، لطالما كان عشقاً حلالاً من ناحيتي القانون والشرع، ولا يؤثر سلباً على الآخرين ولا يتجاوز على حقوقهم وحرياتهم.       ولكن؛ في الوقت نفسه، ينبغي لإنسان الجمادات كبح جماح نفسه، والتوفيق بين أهوائه وهواياته الحسية وعشقه للمال والمناصب والجاه المادي و(الفخفخة) الاجتماعية، وبين العمل الصالح والمعنوي والخيري، والثقافة والمطالعة وكسب العلم والمعرفة، أو على أقل تقدير ودعم وتشجيع من أوقف حياته لهذا الدور.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك