د. علي المؤمن ||
أجيب مباشرة: كلا؛ لم تكن الشهادة الجامعية، ولن تكون يوماً، معياراً لتقويم المستوى المعرفي والعلمي والخبرة والتخصص، لكنها في بلداننا - للأسف - معيار التقويم والمنصب الوظيفي والراتب، بل النظرة الاجتماعية.
بعض أصدقائي لم يحصلوا على شهادة الثانوية، لكنهم أكثر علماً وتخصصاً، وأفضل قلماً وبحثاً، وأعمق وعياً من مئات الدكاترة.
أحد هؤلاء - مثلا- تخصص في الأدب واللغة، عبر الدراسة الذاتية، واكتسب خبرة عملاقة من خلال التجربة، حتى بات يدقق أطروحات الماجستير والدكتوراه قبل المناقشة.
وآخر عالِم متفقه مفكر، دون أن يدرس في الجامعة والحوزة.
وثالث يحل أعقد معادلات الرياضيات.
ورابع، أصبح رئيس تحرير مجلة تخصصية مهمة، وهو مهني ومثقف وباحث من الطراز الرفيع.
لا أريد هنا أن أقلل من أهمية الدراسة المنهجية، والشهادة الأكاديمية وضرورتهما، ولكن أردت أن أقول: لاتستهينوا - رجاء - بفكر وقلم وعمق ووعي من لايحمل شهادة جامعية، ولاتضعوا الشهادة معياراً لتقويم مستويات الناس، وحتى مواقعهم الوظيفية وحجم رواتبهم.
وأريد أن أقول أيضاً بأن المواهب العلمية والفكرية والمعرفية لهؤلاء الناس؛ تشبه مواهب الممثل والرسام والرياضي والشاعر والأديب، كما تشبه مواهب الحرفي؛ إذ لايتم تقويم مستوى الممثل والرياضي والحرفي على أساس شهادته؛ بل وفق حجم موهبته وخبرته.
ولذلك؛ ينبغي وضع معيار جديد في العمل الوظيفي والتقويم الأكاديمي، عنوانه الموهبة الذاتية والتخصص المكتسب، من أجل إنصاف هذه الشريحة الواسعة من المثقفين والمتخصصين.