محمد الكعبي ||
تمر المنطقة والعالم بظروف استثنائية واحداث متسارعة ومتداخلة وخطيرة، وتكالب بين الدول وصراعاتها، يجعلنا نقف أمامها مذهولين لانعرف أين نقف منها.. وإلى أين نتجه؟ ومع من نكون؟ والمنطقة العربية والعراق خصوصاً، ليس خارج المنظومة العالمية وخارطة التحالفات بل هو جزء منها، لما يحتل من جغرافية سياسية وما يمتلك من ثروات مادية ومعنوية، فضلاً عن موقعه المميز الذي يربط القارات الثلاث، مع أطلاله على الخليج واشتراكه مع تركيا وإيران والاردن وسوريا والكويت والسعودية بحدود طبيعية، وما يمتلك من تنوع ثقافي وديني وقومي، ووجود الغاز والنفط والثروات الطبيعية المختلفة فيه، فضلا عن الرجال، لانه من الشعوب التي يشكل فيه الشباب نسبة كبيرة، مما يعني انه يمتلك القدرة على العطاء والتكيف مع جميع الظروف الزمانية والمكانية، وله أرث حضاري وديني وثقافي، وهو مركز الشرائع الابراهيمية، مما جعله محط أنظار واطماع دولا كثيرة من العالم، نعم قد استغل البعض هذا التنوع والتعدد من أجل غايات سياسية تنتمي إلى المشروع العالمي لتقسيم المنطقة، لكن يبقى هذا البلد وشعبه يعاني من ارهاصات المتغيرات العالمية والمحلية مع وجود عوامل داخلية مساعدة مثل الجهل والتخلف والفقر والبطالة وتفشي الفساد وتحكم الاقوياء والاغنياء واصحاب النفوذ السياسي والقبلي على مقدرات البلاد مما يجعل مهمة الاصلاح تحتاج إلى معالجات جذرية وسريعة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل منها: قريب ومتوسط وبعيد، مع وضع استراتيجيات متحركة وثابتة وفق المعطيات والمتغيرات والتي تنسجم مع مرحلة التغيير المنشودة لبلد مثل العراق، الذي أنهكته الحروب والفساد وهيمنة الاحزاب المنحرفة، مما يجعله امام منعطف تأريخي خطير، في وقت تتكالب فيه القوى الكبرى لبسط نفوذها على كوكبنا وصراعها من أجل التحكم والسيطرة وفق نظرية الحكومة العالمية الموحدة.
يحتاج العراق إلى تصدي النخب الوطنية والكفاءات العلمية ورجال الله، ممن يمكن أن تحمل منهجاً فكرياً اصلاحياً، واضح المعالم ينطلق من الواقعية المنسجمة مع تطلعات المجتمع، مع وجود عقبات كبيرة وشاقة، لكن التغيير ممكن وليس مستحيلاً، خصوصا في ضل المتغيرات العالمية وصعود قوى وافول أخرى، ويحتاج إلى بيان خارطة طريق يحملها رجال دولة مع مصارحة الجماهير لكي يكسبوا ثقته وتأييده، لأنها هي المعنية في معادلة التغيير.
عند متابعة خطوط الارتباط بين الدول وتحركاتها وتحالفاتها ومسار الاحداث وأماكن صراعها ومحاولة بسط نفوذها في مناطق مختلفة، والتحولات وتغيير اعداداتها، ستتضح امامنا الكثير من الاسرار، ونعرف أين يتجه العالم، وأننا في وسط المعمعة، إن لم نكن محورها وخصوصا مع ربط المصالح المشتركة للدول ومشاريعها المستقبلية، والتي ترتكز على البعد العقائدي والسياسي والاقتصادي، وما شعار (من النهر إلى البحر عنا ببعيد).
لابد من تغيير مدخلات العملية السياسية في العراق لكي نصل إلى مخرجات فاعلة ومؤثرة، والا اذا بقيت على حالها فلا أمل من التخلص، مما يجعلنا امام منعطف تأريخي خطير، قد يؤدي بالبلد إلى الانهيار تماماً، وهناك تداعيات كارثية بسبب النظام السياسي الحالي بكل تفاصيله وعلى كل مخرجاته البائسة، والتي باتت عبأ على الشعب مما ادى إلى التراجع على جميع المستويات، وهذا بسبب فقدان البوصلة التي تحدد الطريق الصحيح للمسار السياسي مما أدى إلى الانحراف بشكل فضيع والذي سببته الاحزاب والكيانات السياسية الفاشلة حتى أمسى العراق مثلا للفشل والتراجع، مما سمح لتدخل الدول بقراره السياسي مع تحكم الخارجين عن القانون والمافيات بمصيره، وتخادم الفشلة والاحزاب المنحرفة فيما بينها بعيدا عن تطلعات البلد لضمان وجودها وديمومتها على حساب الشعب، ينبغي السعي إلى بناء نظام سياسي قوي قادر على النهوض بالبلد وتفعيل دور السلطات الثلاث والفصل بينها، والسعي إلى تعديل الدستور، وسن الكثير من التشريعات والقوانين التي تساهم في تقوية الدولة وتفعيل القانون وتسييده على الجميع، واعادة النظر بالكثير من المواثيق والمعاهدات الدولية وبالقوانين والقرارات الداخلية، وحسب المعطيات الجديدة سيكون ملف المنطقة ساخنا وحاضرا بشكل كبير في كل المفاوضات والتفاهمات الحاصلة بين الدول والله الساتر من القادم.....