محمد الكعبي ||
(من اجاب ناطقا فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله، وان كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان).
بعد اندثار الاصنام وسحقها عادت بثوب جديد وبعناوين مختلفة وهي ترتدي زي القداسة وتتكلم بلسان الله، اصنام كارتونية فارغة جعلها الانسان بجهلة آلهة تعبد من دون الله وافاض عليها الالقاب والكنى ومنحها رتبة القداسة ليسجد لها ويُقبل أقدامها، فمنع عقله من التفكير حتى أصبح {... كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ}.
الصنمية مرض قاتل يفتك بالمجتمع حيث الطاعة العمياء والتبعية مرض معدي يربك تقدم المجتمعات ويساهم في تحجيرها ويجعلها ادوات طيعة بيد المستكبرين، وإن الصنمية البشرية من أشد الافات التي تهتك الامم.
هناك من يعمل على أدلجة الناس قهريا باسم القبيلة والدين والمعتقد والوطنية وتحويل المجتمع إلى امعات من خلال ترسيخ مفاهيم جاهلة تجعل من البعض مقدس لا يسمح بالمساس به ولا حتى نقده، فضلا عن محاسبة،{ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } وهذه الظاهرة تنتشر في المجتمعات الدينية المتخلفة وخصوصاً الفقيرة التي تشعر بعقد الدونية والنقص والحرمان والتخلف والجهل المطبق من الاهل والبيئة والنظام الديني، السياسي، الاجتماعي والثقافي، فتريد أن تكمل نقصها بصنم وان كان من طين مستورد.
اصبحت العيون لا تبصر، والاذان لا تسمع، واللسان لا يتكلم الا بأمجاد الصنم فنسينا الله وأهملنا انفسنا، ولم ننظر إلى اقدامنا وهي واقفة في الوحل، فسحقاً للآلهة المتعددة التي قهرتنا بتكبرها وعنجيتها، والتي حكمت الأرض وبسطت سلطانها علينا وما زال الكثير لا يرى في الوجود الا الصنم، وثنية اليوم مرض فتاك معدي.
معاول الجهلة مستعدة للنيل من كل معترض على الصنم وأن كان الله تعالى، صنم اليوم يملك المؤسسات والفضائيات وقد نجح بتكريس التسافل وتعطيل الفكر ومحاربة الوعي، يقول آدم سميث: العلم هو دواء لسموم الخرافات.
الم يحن الوقت لتصحوا من غفلتك يا صديقي وتعيد ترسيم مفاهيمك التي أوصلتك إلى المستنقع، أرجوك أفق من سباتك وأنهض وصارع الجهل ولا تكن عبدا لغير الله، كفى تقبيل الاقدام فانت خليفة الله في عالم الوجود، أزح عنك غبار الذل والهوان وأنهض بكل عنفوان وحارب الخرافة، أرجوك فكر وحلل وناقش وحاسب، أنظر إلى الامام يا أخي ولا تجعل عينیك تحت قدميك عندها ستعرف أن الصنم من ورق لا قيمة له.
يقول جان جاك روسو: الناس يولدون أحراراً، لكنهم يستعبدون أينما ذهبوا.
ويقول دنيس ديدرو: الحقيقة أعظم سلاح .
أقول أبحثوا عن الحقيقة وتحروا عنها وأن كانت مؤلمة، فألم الحقيقة خير من حلاوة الجهل.
يقول نيسلون مانديلا: ليس حراً من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانة .
وأصنام اليوم تهين الملايين وتحتقرهم وهناك من يستأنس لهذه الاهانة.
عروا اصحاب التملق والنفاق والتأليه واكشفوا الصنم وتحرروا من نفوذه وسيطرته وافضحوا حواشيه، قد يكون الامر صعب لكن ليس مستحيلا، الرجوع إلى الثقلين كفيل في تحطيم الصنمية من أنفسنا.
أصنام اليوم تسكن في قلاع تحرسها الجيوش والمنافقين وتهلل لها الجهلة، فالصنم يقف خلفه فنان يجيد الرسم والتلميع ويمنحه قوة سحرية من خلال الخرافة والدجل حتى يسحر العقول وتنبهر به النفوس لكي تطوف حوله المغفلين تقدم له القرابين تلو القرابين، صنم اليوم يملك الاموال والاعلام والفكر الجهنمي والعسكر ليتم مسخ عقول أتباعه ليسيروا خلفه بلا وعي وبلا بينة، ويدفعوا عنه كل خطر، وما قصة عجل اليهود عنا ببعيدة. فكم عجل يعبد الناس اليوم؟ قد يكون الصنم رجل دين أو سياسي أو زعيم بل حتى حزب أو فكرة، أو مغني ، أو راقص، فترسخ مفهوم المقدس وتم توظيفه لترويج مشاريع الصنم لأنه الزعيم الضرورة الذي لا ينطق عن الهوى، بل صنم مسدد وموفق في كل شيء وعلى الامة أن تسمع وتطيع ، فيقدم المجتمع لهذه الاصنام القرابين والهداية، حتى يذهب إلى المذبح وهو يضحك.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha