المقالات

شهيد المحراب في سطور


لؤي الموسوي

 

الحديث عن العظماء طويل، لا يمكن لكاتب اختزاله بكلمات معدودة، وفيه مصاعب لعدم تمكنه مم تغطية سيرتهم الذاتية وتضحياتهم الجلية مهما كان بارعاً..

مهما تبحر وغاص في بِحار الكلمات، وانتقى افضل العبارات وسردها في حقهم، ستعد نقطة في بحر جودهم وعطائهم.. فبين من حمل فكراً وعلماً، في استبصار البشرية واستمرارية الحياة فيها، وبين من حمل دمائه على راحة يده، لتحرير ارادة الشعوب من قبضة الطُغاة، هكذا هم وسيرتهم.. فالحديث عن الرجال والمواقف، يحتاج دائماً الى رؤية موضوعية، وحس محايد ومنصف غير منحاز، يفصل بين ما هو عاطفي وبين ما هو واقعي.

 

الخوض في ترجمة الرجال يتطلب من الكاتب، ان يترجم ما هو ملموس وواقع حال، وليس من نسج الخيال، وهذه حقيقة تواجهنا ونحن نخوض غمار ترجمة اية الله المجاهد محمد باقر الحكيم (قدس سره) والقصد من وراء هذا للاطلاع على مسيرة هذا الرجل، التي امتدت لاكثر من اربعين عاماً من النضال، ضد الانظمة الفاسدة التي فرضت سيطرتها على العراق، لتعرف على مفاصل حياته، وجهاده وانجازاته على الاصعدة الاجتماعية والسياسية.

 

ولد (قدس سره) في مدينة النجف الأشرف، في الخامس والعشرين من جمادى الاولى من عام 1358هجرية –1939م، والنجف الأشرف موطن العِلم والمعرفة الذي يحتضن سيد الوصين الإمام علي (عليه وأله السلام) وأسرة آل الحكيم علوية التي يرجعُ نسبها الى الإمام الحسن ابن علي المجتبى (عليه السلام).

نشأ الحكيم مع اخوته التسعة، في احضان والده الامام الراحل محسن الحكيم (قدس سره) حيث التقى والورع والجهاد، وتغذى منذ نعومة اضفاره بمعاني الصبر والصمود، وعاش عيشة الفقراء مقتدياً بأبائه واجداده الصالحين.. كم من اليالي والايام تمضي عليه "قده" وطعامه مع بقية افراد العائلة، عبارة عن الخبز واللبن والتمر والشاي والسكر، التي تعد من الوان الطعام البسيط، وكانت ولادته ومراحل طفولته الاولى متزامنة مع احداث الحرب العالمية الثانية، وما تبعتها من ويلات ومعاناة، في وقت كان فيه والده الإمام الحكيم، من كِبار المجتهدين في النجف الاشرف.

 

تلقى علومه الاولية في ما يعرف بكتاتيب النجف الاشرف، ثم بعد ذلك دخل في مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة منتدى النشر، انهى فيها الصف الرابع فتركها، بعد ان نشأت عنده الرغبة في الدخول لدراسة الحوزوية وكان عمره الشريف حينها اثني عشر عاما، وكان ذلك سنة 1370 هجرية..

بعد سنوات من الدراسة في حوزة النجف الاشرف، على يد اساتذه ومراجع الحوزة العلمية امثال الامام الخوئي والشهيد محمد باقر الصدر، واخيه السيد يوسف الحكيم (قدست اسرارهم) وغيرهم، حاز على شهادة الاجتهاد وهو في بداية شبابه على يد المرجع الكبير اية العظمى الشيخ مرتضى آل ياسين.

يعد الشهيد الحكيم نموذجاً فريداً، استطاع ان يجمع بين العِلم وتمثيله لمرجعية والده في المحافل العامة، وبين الشروع بالتدريس حوزويا، والمواجهة والصمود بوجه عتاة السلطة، التي مارست الاساليب القمعية بحق الشعب العراقي، حيث لم تؤثر هذه على ذاك، وهذا ان دل انما يدل على نبوغه وإِلمامه بالساحة بصورة عامة، رغم قلة الوسائل المتاحة له آن ذاك، دخل الساحة بكل ابوابها واصبح رقماً صعباً من بين اقرانه وخصومه على حدٍ سواء و هذا ما جعله متميزاً عن الاخرين "قدس سره".

 

تضحيته وجهاده وصموده من اجل العقيدة والوطن، بعد سنوات المواجهة مع عناصر حزب البعث في داخل العراق، وبعد ان استنفذت السُبل وضيق عليه الخناق، لاسيما بعد استشهاد المفكر الأسلامي محمد باقر الصدر، الذي طلب مراراً وتكراراً منه ان يمارس نضاله ضد البعث بالخارج، وان لايتوقف عن ذلك، قرر حينها الحكيم الخروج من وطنه مُجبراً على ذلك يحمل اهأت وهموم شعب..

غيب في غياهب الجُب، ومع ذلك اعلن كلمته وعلى الملاء دون تردد وخوف، حينما طلب المجرم صدام من السيد الحكيم، التوقف من ممارسة الجهاد والمعارضة لسلطته فقال كما قال جده سيد أباة الضيم (عليه السلام): الا إن الدعي إبن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، غير مكترثاً بما يجري عليه مادام انه سائراً على الجادة، فقدم من اهل بيته الكثيرين في سبيل الوطن والعقيدة، فذبحوا على مذبح الحُرية، وكانت هذه الدماء تمثل بداية السقوط لقرن الشيطان، فاستطاع بصبره وجهاده، ان يهزم الطغيان في عقر داره فارداه مدحوراً مذموماً، وبقي شهيد المحراب الق في افق السماء كالنجم زاخراً يسطع، وعرشاً توسط القلوب فقدم دمائه لله والوطن فخلد الله ذِكراه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك