المقالات

حزنٌ "مُرجًّع"


 

 جعفر الحسيني ||

 

في مثل هذه الأيام .. يخرج الشهداءُ ليلا ملثمين، يحدقون في وجوه المقابر المكتظةِ بتلالٍ من الرجال الذين قابلوهم هناك حيث الميادين ،يلقون التحيةً مبتسمين، فيردُ ساكنو وادي السلام بأحسنَ منها ، يتفقدون التأريخَ المثبّتَ في قلوبهم بإمعان، فالتأريخُ في مثل هذه الأيام يحفزُ الشوقَ والدموعَ والضلوع ، إنه موسمٌ خصب لإقامة الأحزان على الأوطان . يبحثون عن سراج ينيرُ الطريقَ ألى حيث وجهتُهم..

 ها إنهم على مقتربات كراج بغداد في النجف، وكأنهم  يستمعون الى نداءات "الجهاز"، فتستوقفهم عبارةُ "كيف الموقف معكم"، فيجيب نداءٌ آخر: بانتظار أوامر استقبال القادة،  كل شيء جاهز، الدموعُ والراياتُ والأمهات والثبات.. فيدخل على الخط نداءٌ آخر: "يازهراء"، فتشتعل السماءُ بالمذنّب، ابتهاجا بخروج الشيّاب من مضاجعهم ، ليلقوا التحيةَ على القطعات العسكرية المقاومة  المتأهبةِ للثأر على تخوم المطار ..

إنهم يمرون الآن من أمام منصةٍ كتب عليها "كلّه خير"، يرددون هتافا أزليا لياسين الرميثي "يا حسين بضمايرنا"، والمطارُ ساكن والطريقُ إليه تترقبُ العجلاتِ التي تسابقُ إطاراتُها الزمنَ لتصلَ الى متحف الرجال الذي وثّق جريمةَ الجبناء، وإلى حيث المحطةُ الأخيرة للشروع بكرنفال تأبين القادةِ الشهداء..

بينما المغرضون يتهامسون خلسةً : من هؤلاء ؟ فيردُ عليهم هاتفٌ من بعيد : هؤلاء من أعادوا صياغةَ الرجولة من جديد وهندسوا الشرف.. "إنه هاتفُ السماء "

 ثمة صغارٌ على جانبي الطريق يحملون الورودَ من أول فتحة من وادي السلام حتى ساحةِ ابن فرناس، يبدو أنه عرسٌ، هو كذلك  لكنه عرسٌ من نوع آخر لايشبه الأعراس، فزفةُ الشيّاب تختلف عن الزفة التقليدية، إنها ثقيلة وزفةُ "مُرَجّع" من وإلى النجف تجتمعُ فيها كلُّ الوان الحزن، من أول الدموع حتى آخر الشوق

ينبلجُ الفجرُ فتظهرُ ملامحُهم،  يا عليّ مدد..  إنهم أصغرُ عمرا ، تبدّلَ لونُ اللحى البيضاء ووجوههم نضرة كما كانت بل أنضر ، لكن صورَهم مازالت على حالها ، بيضاءَ في القلوب ..نعم هي كذلك .

بسم الله الرحمن الرحيم

(بل أحياء ..)

هكذا ابتدأ الحفلُ وخُتم وعادَ القادة ُالشهداءُ أدراجَهم مدججينَ بالفرح

لكننا نحن "المؤبنين"

بقينا نتابعُ اعمارَهم بدلا عنهم، ولسانُ حالنا يقول : كلّهُ خير

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك