تبارك الراضي ||
بعد ثلاث سنوات من انهيار الحكومة المنتخبة، والكساد الاقتصادي، والجمود السياسي في المانيا، اتخذ المتنافسين قرارهم بتسليم السلطة لشخص دخيل طالما احتقروه، لكنهم اعتقدوا أن بإمكانهم السيطرة عليه، بهذه المغامرة تسلم هتلر مقاليد الحكم في المانيا.
تخبرنا التجربة الالمانية كيف يواجه السياسيون بمختلف دول العالم تحديات قاسية، مثل التدهور الاقتصادي، النقم الشعبي، التراجع السياسي، مثل ما مررنا به منذ نحن قبل عامين، وكيف أن التعامل معها قد يضع مصير البلاد على الهاوية.
تتطلب مثل هذه الظروف سياسيين جسورين ومحنكين، لإنه احياناً يدفع الخوف والانتهازية، أو سوء التقدير بالأحزاب الرئيسة، إلى جلب المتطرفين أو المتأمرين للسلطة، ليعبروا بهم من المأزق السياسي الذي يعيشونه، مستخفين بسيطرت الأخير على المؤسسات السياسية، وامتلاكه جهاز الدولة وماكنتها الإعلامية فيبدأ بالعمل ضدهم، يستجيب لمطالب الجماهير الحالمة، يتحدث بلسانهم، يعقد انتخابات مبكرة مثلما أرادت الجماهير واستعجلته الأحزاب، لكنها انتخابات خطط لها بدهاء افتقده من أوصله للسلطة، لقد قوض هذا الدخيل السياسي استحقاقهم، ووضعهم في ورطة، فالتخلص منه يعني القبول بتقليص مساحتهم المتعمد، واطالة أمد الصراع الديموقرطي يصب بمصلحته.
أن هذه التجربة القاسية التي وضع قادة البلاد وحراسها أنفسهم بها، يجب أن تكون درساً لهم، كيف يمكن أن تقود البساطة في احتساب المخاطر المترتبة على التحالفات غير الصالحة، إلى تزويد الدخلاء على السياسة بالسلطة الكافية ليصبحوا منافسين شرسين، يحرقون العربة التي أوصلتهم للحكم حتى يقطعوا طريق العودة.
أمام وضع كهذا، لا مفر من التوتر، مدركين لصعوبة المأزق الذي يعيشه حراس البلاد، لكن يجب عليهم رفع الحلول الترقيعية وأنصاف الحلول من قلب مفاوضاتهم، وأن يعتمدوا نظام (تصفية الترشيح) لأي أسم يطرح، ويقيسوا مؤشرات سلوكه، ومدى استعداده لتقويض وحدة البلاد من أجل مصالح مختلفة، أن الحماية الحقيقية التي يتعين على قادة البلاد تقديمها لنا، تكمن في تجنيبنا مخاطر صعود دخيل على السياسة مرة أخرى.
https://telegram.me/buratha