المقالات

الخيل والليل و"الزقاق" يعرفني

1932 2021-12-29

 

حمزة مصطفى ||

 

 بدء من حصانه الذي تلاسن معه في  شعب بوان ببلاد فارس "يقول بشعب  بوان حصاني .. أعن هذا يساق الى الطعان .. أبوكم آدم سن المعاصي ..  وعلمكم مفارقة الجنان" الى ناقته التي لم يساوره الشك في ولائها له  (شيم الليالي أن تشكك ناقتي .. صدري بها أفضى أم البيداء" يبقى للمتنبي الشاعر لا الشارع المعاد بناؤه وترميمه زقاقا متفرعا  من شارع الرشيد حصة  من كل شئ. اليس هو القائل (الخيل والليل والبيداء تعرفني .. والرمح والسيف والقرطاس والقلم). المتنبي لايختزل لا بشارع ولا بزقاق. قد تكون هذه هي إحدى مشاكله وربما أزماته النفسية أو الإجتماعية أو طموحاته  التي تتعدى حدود قدرة الآخرين على تحقيقها حتى لو كانوا ملوكا أوسلاطين.

والمتنبي ليس حياديا لا في الحب ولا في الكره. أحب سيف الدولة الحمداني زعيما عربيا بمواصفات ذلك الزمان للزعامة ثم زحف على أخته خولة عاشقا متبتلا. وإذا كان الحياء حال دون التشبيب بها غزلا فإن موتها الفاجع لم يمنعه من التعبير عن هذا الحب على شكل رثاء صادق (طوى الجزيرة حتى جاءني خبر .. فزعت فيه بآمالي الى الكذب.. ولما لم يدع لي صدقه أملا .. شرقت بالدمع حتى كاد  يشرق بي). رثاء عظيم يليق بالفاجع والمفجوع معا. حين (ضاج) من سيف الدولة إكتفى بالعتاب فقط ( يا أعدل الناس الإ في معاملتي .. فيك الخصام وأنت الخصم والحكم). لكن حين "زهق" من الأستاذ كافور  الأخشيدي  كتب فيه شعرا يخالف لائحة جنيف لحقوق  الإنسان لما ينطوي عليه من نعرة عنصرية فاقعة (لاتشتري العبد الإ والعصا معه).

يبقى المتنبي فتى الفتيان بلغة الجواهري شاعر العرب الأكبر الذي قال فيه واحدة من أجمل قصائده في الذكرى الألفية لولادته. كان ذلك  عام 1977 في قاعة إبن النديم  بين الميدان والباب المعظم حيث كنت حاضرا تلك الأمسية التي لا أجمل منها بحضور فطاحلة الشعر العربي آنذاك. ففيها قرأ  الجواهري فتى الفتيان وقرأ محمود درويش "أحمد الزعتر" وسعدي يوسف "نهايات الشمال الأفريقي"  ويوسف الصائغ "إنتظريني عند تخوم البحر". كما قرأ آخرون من بينهم نزار قباني وبدوي الجبل ومحمد الفيتوري أجمل مالديهم في تلك المناسبة.

هذا هو المتنبي الشاعر الأكثر حضورا في الوجدان العربي. شاعر يختزل كل آمالنا وطموحاتنا وخيباتنا, أحلامنا وكوابيسنا. يكاد يكون هو العلامة الفارقة الأكثر دهشة في الشعر العربي على مصر العصور. قد لايكون هو الأكثر شاعرية لكنه الأكثر تعبيرا عن طبيعة العلاقة بين النص والقارئ. نص المتنبي قادر على الإختراق دائما. نص يكاد لاينتهي حيث سرعان ماينتقل منه "الشاعر" الى "المتلقي". لايهم أن يكون المتلقي قارئا عاديا أم متذوقا أم ناقدا. نص المتنبي مفتوح على كل القراءات الذاتية والموضوعية, الخاصة والعامة. نختلف كثيرا  على الشعراء الإ المتنبي الذي مدح نفسه كثيرا "أرى كل يوم تحت ضبني شويعر" أو "وما الدهر الإ من رواة قصائدي" أو "دع كل صوت غير صوتي" لكننا نتفق على أحقيته فيما يقول. بصرف  النظر عن التسمية .. شارع أم زقاق فإن إعادة إعمار شارع الشاعر الذي نبحث فيه عنا  دائما وأبدا  عمل يستحق التقديروالإعجاب .. لمن بنى وموّل وجملّا.

ــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك