المقالات

قراءة في الثورة الحسينية (١٦)


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

اذا كانت الثورات تقترن عموما بالعنف والعمليات العسكرية، فان ثورة الامام الحسين اقترنت بالتثقيف.وقد سلك الامام الحسين نفس الطريق الذي سلكه ابوه من قبل، وهو الاستناد الى العلم والمعرفة والثقافة في طرح مشروعه السياسي وقضيته السياسية. وحفظ لنا الشريف الرضي (٣٥٩-٤٠٦ هجرية) مجموعة رائعة من خطب الامام علي بين دفتي الكتاب الذي اطلق عليه اسم "نهج البلاغة". واذا كان عنوان الكتاب يوحي بالقيمة البلاغية والادبية لخطب الامام علي، فان مضمون الخطب يحكي قصة اخرى، هي قصة الثقافة التي كان يحملها الامام علي، بتعليم من النبي محمد (ص) وهو القائل عن نفسه:"لقد علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب يفتح كل باب ألف باب." وهذا ما تشهد به خطب نهج البلاغة اضافة الى السيرة العملية لعلي. واذا كان الامام علي حريصا على ايصال ما اوتي من العلم الى الناس، فان الامام الحسين قام بالامر نفسه طيلة ايام ثورته، لان العلم هو الشرط الاول في صحة اتباع الامام، وهو القائل:"فلعمري ما الامام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذلك لله".  وكأني به يحذو حذو النبي ابراهيم الذي قال لابيه: "يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا".

ومن هنا شكلت كلمات وخطب الامام الحسين دليلا للثورة ونظرية للعمل. فقد ذكر الطبري إِنَّ الْحُسَيْنَ خَطَبَ أَصْحَابَهُ وَأَصْحَابَ الْحَرِّ بِالْبَيْضَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا الناس، ان رسول الله ص قَالَ: [مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلا لِحَرَمِ اللَّهِ، نَاكِثًا لِعَهْدِ اللَّهِ، مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ الله، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلا قَوْلٍ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلَهُ] أَلا وَإِنَّ هَؤُلاءِ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ، وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ، وَحَرَّمُوا حَلالَهُ.

ويذكر خطبة اخرى للامام الحسين قال فيها: إنه قَدْ نزل من الأمر مَا قَدْ ترون، وإن الدُّنْيَا قَدْ تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها واستمرت جدا، فلم يبق منها الا صبابه كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل أَلا ترون أن الحق لا يعمل بِهِ، وأن الباطل لا يتناهى عنه.

وبهذا جسد الامام الحسين مفهوم "الثائر النبوي"، وهو مصطلح استعيره من الامام الشهيد محمد باقر الصدر الذي صاغه في كتابه "خلافة الانسان وشهادة الانبياء".

ميز الصدر بين اساسين للثورة هما:

اولا، ما تزخر به قلوب المستضعفين والمضطهدين من المشاعر المتقدة بسبب ظلم الاخرين لهم. وبناء على هذه المشاعر تكون الثورة رد فهل على الحالة البائسة، مساويا لها في المقدار ومضادا لها في الاتجاه. بمعنى ان مثل هذه الثورة تملك في داخلها امكانية ان تعيد انتاج الظلم بطبعة مغايرة في الشكل متماثلة في الجوهر.

ثانيا، استئصال المشاعر التي خلقتها ظروف الاستغلال و تطوير المشاعر الانسانية باتجاه الاحساس بالقيم الموضوعية للعدل والحق والقسط والحرية والكرامة الانسانية.

فاذا كان انهيار منظومة القيم الحضارية العليا هو الدافع الى الثورة، فسوف تكون مهمة الثورة اعادة بناء وتفعيل هذه المنظومة في بناء المجتمع والدولة، بما يؤدي الى انتاج الشروط الحقيقية لكي تستعيد الجماعة البشرية  دورها الخلاق في الخلافة في الارض، وليس التصرف بعيدا عنها وخارجها. وهذا هو بالضبط ما يقوم به "الثائر النبوي"، اي الثائر السائر على نهج النبوة. ومن هنا ندرك ايضا حجم الانحراف والخلل الذي اصاب بعض الجماعات التي تدعي الانتساب زورا الى الاسلام مثل القاعدة وداعش وابوكا وطالبان وغيرها من الجماعات التي جعلت السيف رمزا لها، وليس القلم والعلم والمعرفة وهي المفردات التي وردت في اوائل السور المكية من القران الكريم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك