أمل هاني الياسري ||
نساء عاصرنَ الأئمة وعشنَ أبداً/26
فتاة صغيرة تربت في بيت النبوة والرسالة، أُرسلت هدية للنبي محمد (صلواته تعالى عليه وعلى آله)، بيد جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)، عند هجرته بجماعة من المسلمين من مكة الى الحبشة، وعُرفت بمنطقها، وبلاغتها، وإيمانها، وفضائلها، فبقيت في بيت النبي، حتى تزوجت فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فأرسلها النبي (صلواته تعالى عليه)، لتكون في خدمة البتول، وتمنت أن تُحشر مع السادة الأطهار، من ولد سيدها علي وسيدتها فاطمة (عليهما السلام)، نعم إنها فضة النوبية (رضوانه تعالى عليها).
هناك روايات أخرى تشير الى أن أسمها هو ميمونة، وأنها بنت ملك الهند، جاءت مع سبايا الحروب والفتوح، وهبها النبي محمد (صلواته تعالى عليه وعلى آله)، لإبنته الزهراء (عليها السلام)، بعد كثرة المغانم من خيبر، وقريضة، والنضير، وكانت ملازمة لسيدتها الزهراء، وشهدت معها أيام الحزن والعزاء، بعد وفاة أبيها المصطفى، فقد سألها ورقة بن عبد الله الأزدي، ماالذي رأيتِ من فاطمة حال رحيله؟ فإنتحبت باكية وقالت: (هيَّجت عليَّ حزناً ساكناً، وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة).
السيدة الفاضلة فضة عاشت في أحضان الولاية والإمامة، فعاصرت أحداث الأمة، زمن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) يوم الباب، وشهدت ولادة الحسن، والحسين، وزينب(عليهم السلام)، ورفعت سيدتها من الأرض حين أسقطوا جنينها، بعدما عُصرت بين الحائط والباب، وتعلمت من يعسوب الدين، كثيراً من العلوم، والأدعية، والأخبار، وعلمت بما سيجري على سيدها الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف بكربلاء، فقررت الرحيل مع عقيلة الطالبين الحوراء زينب (عليها السلام)، لتعلن ولاءها للبيت المحمدي، الذي علَّمها معاني الكمال، والحرية، والفضيلة.
يذكر المؤرخون روايتين حول مرقدها الشريف، فالأول يقع في محلة باب النجف، ويسمى(شير فضة) ويعني بالفارسية (أسد فضة)، وحكايته أن السيدة فضة تكلمت مع أسد، منتصف ليلة الحادي عشر من محرم، فأخبرته بأن هذه الجثث في كربلاء، هي لأبناء أمير المؤمنين الطواهر، والأطفال واليتامى بحراسة الله الواحد، فبقي هذا الأسد محله في أرض المعركة، حتى مجيء الإمام السجاد (عليه السلام) يوم الثالث عشر من محرم الحرام؛ لدفن الأجساد الشريفة؛ لذا يعتقد أنها دُفنت بالقرب منهم.
المكان الثاني لمرقدها (رضوانه تعالى عليها)، يقع في مقبرة باب الصغير بدمشق، وأساس خبره هي أن السيدة فضة، كانت مع نساء البيت العلوي في واقعة الطف، ورحلت مع السبايا الى الشام، فجاورت قبر سيدتها الحوراء (عليها السلام) بعد وفاتها، حتى توفيت حيث قضت مدة أربعين عاماً، لا تتكلم فيها إلا بالقرآن، مخافة أن تتعرض لزلة لسان، فيسخط الباري عز وجل، وهي المعروفة بالفصاحة والبلاغة، منذ أن حطَّت أقدامها بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) أيام صباها.
السيدة فضة(رضوانه تعالى عليها)، تلميذة الزهراء واجهت بحكمة، وشموخ، وصلابة، سياسة تكميم الأفواه أيام الدولة الأموية الفاسدة وأجهزتها القمعية، ونقلت قضية كربلاء لأهل الشام، الذي مورس ضدهم تعتيم إعلامي متعمد، لخلق موالين ليزيد وأبيه، وأصابت كبد الحقيقة وأوصلتها بقوة، بأن هؤلاء الأحرار من أهل البيت، الذين تقدمهم الإمام الحسين (عليهم السلام)، قد خرجوا لطلب الإصلاح، وأنهم بدور سطعت في معراج الشهادة والكرامة، لذا سنعلنها كالسيدة فضة: لبيكَ ياحسين، فيا ليتنا كنا معكِ فنفوز فوزاً عظيماً.