بقلم: ناصر حسن الجاروف
تبدأ شهوة القتل في الضمير أولاً، فتتلوى عليه وتعصره عصراً حتى تخنقه، ثم يسهل عليها الهيمنة على العقل الوضيع الذي لا ناصر له، ومنه تتفرع على الأعضاء حتى تجعل شميمها الدم، ومنظورها الدم، وسماعيها الدم، ولمسها الدم، فلا تصبح ولا تمسي إلاّ على الدم.بهذه الكيمياء نشأ الزرقاوي في وادي الشياطين.أثبت الزرقاوي أنه طراز «ستاليني» بل زاد عليه، ذلك أن ستالين لم يقتل في العلن ولم يذبح أمام الكاميرا، أما الزرقاوي فإنه استطاع أسر كاميرات الفضائيات العربية، وسفك أمامها دماء الأبرياء بطرق تذكرنا بمذابح بني أمية وأشياعهم، وشره الحجاج الثقفي وولوغه في دماء الشيعة. لكن وحشية الزرقاوي وجدت لها أنصاراً بالكلمة والقلم، فزادتها إيماناً ورسوخاً بما تفعل، وأتمنى على الله أن ينالهم شيء من سكاكينه حتى يعلموا إنما هو العدل في الإتجاه الآخر. –مثلما فعلت بعض الدول في تأييد الحرب ضد إيران وفي الأخير هجم صدام عليها «الكويت مثال»-إنه القاتل.. القاتل.. القاتل الذي لم ينجُ منه الشيخ الكبير، ولا الطفل الصغير، ولا المرأة الضعيفة.ولكن السؤال المهم هو من أين أتت للزرقاوي هذه الجرأة على التعطش للدماء، وعليها حلّل دماء المسلمين من دون تفريق بين شيعي أو سني؟. فهو كان يفجر في كل مكان؛ في السوق وفي المسجد والحسينية وخطف المستضعفين من البشر والعاملين وما أشبه ذلك؟ فمن أين أتت له الجرأة للقيام بكل ذلك؟.حقاً إنه كان مولعاً بشخصيات أسلافه «الحجاج، والأيوبي» الذي كان يقرأ عنهم الكثير، وتستهويه مغامراتهم، وفتوحاتهم الدموية!ولم ينطلق بهذه الأفعال لولا وجود السيل الهائل من الفتاوى الوهابية التي تفننت في صياغة البيانات العدوانية للآخر، وتلك الخطب والكتب وفي المجالس الخاصة. شيء واضح وبيّن فالزرقاوي هو صنيعة تلك الأفكار، وهو ربيبها، وهو ابنها الذي تخرّج من تلك المدرسة التي تكفّّر كل من ينتمي للمذهب الشيعي،-والمالكي أعلن بأن من شاركوا في تفجير ضريح الإمامين العسكريين هم أربعة من الإرهابيين السعوديين- وهو الذي التقى بمقاتلين عرب في أفغانستان، وأغلب العرب المقاتلين كانوا من السعودية؟ ومن المتشددين من الدرجة الأولى، ولهذا نبتت أفكاره من تلك المدرسة ذاتها، التي بلينا نحن المسلمين منها.لم يمت الزرقاوي، ولكن الذي مات هو جسد الزرقاوي، وبقي النهج والفكر والثقافة التي يتغذى عليها «الكافرون»، فنحن مطالبون بحرق تلك الكتب التي تغذي هذا النوع من التفكير العدائي التكفيري للمسلمين، وإلا ستتعدد نسخ الزرقاوي في كل دول الخليج العربي؟.ونحن رأينا كيف تباكى بعض المسلمين على الزرقاوي أمثال عبدالله النفيسي «نسأل الله أن يحشره معه» الذي عدّ الزرقاوي شهيداً وهو ذاته يعلم أن مثل هذه التصريحات تشعل فتيل حرب طائفية تحرق الأخضر واليابس، وتبيد كل مكوّنات ومكتسبات المجتمع العربي بأكمله، ألم يعلم بأن عدم استقرار العراق معناه عدم استقرار الدول العربية؟ وأن خير العراق يعم، وشره يعم؟.وكل منطلقات التأييد للزرقاوي هي ليست لقضية أن هناك محتل أمريكي، فالمحتل الأمريكي قضى على حكم استبدادي سفك دماء الشيعة الأكثرية في العراق، وسنة الأكراد في الشمال!، وإلاّ فلماذا لا يؤيدون إيران التي تقف ضد سياسات الولايات المتحدة؟ أظن الجواب معروف. فالمنطلقات التي تؤيد تلك الحركات الإرهابية في العراق هي بغية زعزعة حكم الأكثرية الشيعية، فالأصل هو البغض والكره ليس إلاّ!. والنفيسي أبدى في مقابلة له في الجزيرة بقوله: «أخشى أن ينجح المشروع الأمريكي في العراق، لأنه سيكون خطراً على دول الخليج» ويضيف «المطلوب هو أن يتمرغ وجه وأنف أمريكا في العراق» بمعنى التحريض على مزيد من العمليات العشوائية ضد الشيعة.إن نار حرب الطائفية قد بدأ بالاشتعال وشرارته قد تنتقل إلى الأراضي الخصبة المهيأة لتلك الحرب، ونحن أرضنا «السعودية» لها قابلية الاشتعال إن لم تعالج التحريض الذي طفح على السطح أمام مرأى ومسمع الحكومة التي عليها أن تبادر بإيقاف هذا النوع من التحريض، فالأحداث الصغيرة التي تحدث هنا وهناك ضد الشيعة هي ليست صدفة وإنما دلالة على احتقان وكراهية ضد الشيعة قابلة للتطور بوسائل أخرى شبيهة بالتي تحدث في العراق!.إن لوثة الزرقاوي ستلقي بظلالها –إن لم تُجتث- على طبيعة الحياة الاجتماعية والتركيبة الديمغرافية لبلدان الخليج، وعلى طبيعة الحياة السياسية، بل حتى على طبيعة الاقتصاد.لنقف صفاً واحداً أمام فيروس الزرقاوي حتى لا يستشري بين أبناء البلد، فيقع ما لا يُحمد عقباه. فهل من مدّكر؟.القطيف -سيهاتاشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha