المقالات

الرمزية في الشعر الحسيني الحديث

2142 2021-08-13

 

د. نعمه العبادي ||

 

مثل الشعر بأشكاله المختلفة أحد أهم الادوات والوسائط التي عرفت الجمهور الخاص والعام بالكثير من الجوانب المتعلقة بالإمام الحسين عليه السلام وثورته العظيمة، وقد تضمن أغراضاً مختلفة منها: (توثيق الحادثة- الافتجاع لظلامة الحسين وأنصاره في كربلاء- بيان خساسة العدو ومدى إجرامه- مواقف الثبات والشجاعة التي جسدتها الملحمة الكربلائية بكل فصولها- أحاسيس ومشاعر الولاء لمحبي الحسين واهل بيته - الربط بين التحديات الزمنية والمكانية اللاحقة  وإسقاط ثورة الحسين عليها- إستنهاض الهمم لمواجهة الظلم- تأملات وجدانية في عشق الحسين - فكرتي النصرة والخذلان - ديمومة الذكر والعطاء الحسيني- أغراض خاصة)، وقد ظهرت هذه الاغراض بقوالب شعرية مختلفة منها الشعر العربي الفصيح، وأكثرها عبر الشعر الشعبي (الذي سهل تداوله وتعاطيه من قبل الجمهور الحسيني خصوصا في العراق وبعض الدول العربية)، ومن المؤكد ان هناك نتاجاً شعرياً وأدبياً آخراً عن الحسين وقضيته بلغات أخرى مثل الفارسية والتركية والاوردية، ليس هنا محل الحديث عنه.

تطور الشعر الحسيني  مثله مثل نماذج الشعر  الاخرى بطريقة معالجته للإغراض التي ينشدها، وكما كانت الاجيال القديمة منه منشدة الى التعبير المباشر، ومتكئة على اللفظ وجمالية التعبير عبر تلاعب الشاعر الذكي بالتراكيب اللفظية والنسق الجملي للنص، واستخدام المباشرة في معالجة الغرض، نحت أجياله الحديثة تدريجياً نحو الرمزية وزيادة التعبير المعنوي، والإتكاء على الصورة بشكل رئيس.

إن الرموز تختلف باختلاف أشكال بنائها، فمنها رموز تستغرق القصيدة كلها، وتشكل محاورها، وأخرى تُعد جداول صغيرة تتدفق من شعاب جانبية، وتصب في المجرى الكبير لتلتحم به، وبوسعنا أن نقسم الرموز إلى نوعين رئيسيين: أولهما- الرمز الجزئي وهو أسلوب فني تكتسب فيه الكلمة المفردة أو الصورة الجزئية قيمة رمزية من خلالها تتفاعل مع ما ترمز إليه؛ فيؤدي ذلك إلى إيحائها، واستثارتها لكثير من المعاني الخبيئة، وتشع هذه الصور وتلك الكلمات لارتباطها بأحداث تاريخية، أو تجارب عاطفية، أو مواقف اجتماعية أو ظواهر طبيعية، أو أماكن ذات مدلول شعوري خاص، أو إشارات أسطورية معينة وتراثية عامة، والشاعر في تعامله مع هذه الأشياء يرتقي بمدلولها المتواضع عليه إلى مدلولها الرمزي، ثانيهما- الرمز الكلي، وهو معنى محوري شفاف، مجسد في إحدى الظواهر المادية، تتمركز على أرضه جلّ الصور الجزئية التي تتوزع العمل الشعري، وتشده نحو هدف جمالي منظور ويربطها به ينبوع التجربة الشعورية.

تعد القوى الابتكارية أو الابتداع الذاتي عند الشاعر الذي تتراكم لديه المكونات الثقافية الهائلة، ومخزونات الصور المتفردة والتراكيب الشعرية البديعة أحد منبعي الرمز الأساسيين.

أحصى العلامة والشاعر الحسيني المرحوم جواد شبر في موسوعته الرائعة (أدب الطف وشعراء الحسين) أجيالاً من الشعر والشعراء، وتابع سيرتهم ودون أبرز قصائدهم مع تأكيده ان هذا الاحصاء ليس إستقراءً شاملاً وتاماً، وبمناسبة الحديث عن هذا العمل، لا بد من التأكيد على ان ادب الطف وشعر الحسين، بل وكل النتاج الادبي والانساني المتعلق بالحسين (ع) لم يحصل على أدنى ما يستحق من الجهد العلمي والمعرفي، وهو مادة ثرية مهمة وحيوية وفيها من الافكار والاغراض والسير والتاريخ والفلسفة وقضايا اخرى ما لا يخطر على بال أحد، لذلك، أتمنى ان تتوجه انظار المشتغلين إلى هذا النتاج سواء في انجاز الدراسات الضرورية او حتى في نشر هذا التراث وجعله بمتناول اليد، فكم من المحسنين ساهم في نشر ادب الطف وشعر الحسين، وكذلك في كل النتاج المعرفي الذي يتصل بهذه الملحمة الانسانية الخالدة.

يشتغل الشعر الشعبي بشكل اكبر وأوسع مساحة على القضية الحسينية، فهو مادة الرثاء والعزاء ومعظم الفعاليات التي تقام في موسم عاشوراء، وقد قفز هذا الشعر قفزات كبيرة من حيث نضوجه وجاذبيته، وطريقة المقاربة التي يستخدمها، وبمقارنة بسيطة بين اللطميات التي كانت متداولة قبل سبعين او مائة سنة وما نسمعه الآن يظهر الفرق واضحاً من حيث شكل ونمط وطبيعة القصيدة.

الفارق الجوهري بين القصيدة القديمة والحديثة، ان الاولى معتمدة بشكل كبير على الصياغات اللفظية وجمالياتها، وتناقش في اكثر الاحيان اكثر من موضوع في النص ذاته، وتميل الى المباشرة بشكل أكبر، بينما الحديثة، قصيدة صورة، تقوم على اساس الحبك الدرامي لموضوعها، وهي أقرب إلى القصة، وغالبا ما تكون سرديتها قصة واحدة، وتستعمل الرمز في التعبير بشكل اكبر.

مما لا شك فيه، ان الرمزية، اعطت الشعر الحسيني روحاً من التجديد والجمالية، ووسعت من دائرة التعبير الذي تتعامل معه، كما، انها تطلبت من الشاعر مستوى ارقى من الوعي والثقافة والفهم الاعمق للافكار، الأمر الذي جعل الفوز بقلوب السامعين أمراً صعباً.

ومع هذه الاهمية للرمزية إلا ان هناك إشكالية مهمة لا بد من استكمالها في هذا النص، تتعلق تحديداً بالشعر الذي يلقى في الفعاليات التي يتطلب فيها تفاعلاً واضحاً من المتلقي وفي مقدمتها قصائد اللطم وابيات النعي والاحياءات الشعبية، فإن هذا الوضع، يحتاج إلى تلقائية اكبر وصدق اعمق في التعبير، ولمس مباشر للمشاعر، فمن الصعب على المستمع البسيط الذي يعيش حالة الانفعال المباشر او هو في لحظة حزن وانكسار، ان بقوم بتفكيك الرموز وبحث التأويل والصور البعيدة، بحيث يتشتت ذهنه، او يصبح مجرد منساقا مع اللفظ دون ان ينزل الى المعنى الى وجدانه ويلامس اعماقه ويغير فيه، إذ ينحى البعض اليوم الى تعسف كبير في محاولة خلق صور رمزية على حساب بنية القصيدة ومسارها، ويجهد نفسه في انتزاع صور لا علاقة لها بالموضوع الحسيني وزجها في النص لمجرد تصوره انها تجعل القصيدة مميزة، وليتذكر الجميع ان قصيدة مباشرة مثقفة وصادقة مثل (يا حسين بضمايرنه.. احنا بيك آمنه)، هزت الوجدان، وتناقلتها الاجيال وحفظتها، ولا زالت تلمس الارواح بعمق، وقد وفق البعض لنصوص فيها مثل هذه الدافعية وكمثال لا للحصر ما حملته حماسية مرتضى حرب (ذبوا عمايمهم..).

قد يتصور الكثير ان شعر الحسين مجرد مرثيات وكلمات تلقى في المناسبة واحياء الذكر إلا ان المتابع المطلع يدرك حجم الوعي والصور النمطية بإشكالها المختلفة المتعلقة بالواقعة وشؤونها التي صنعها الشعر والادب الحسيني بأشكاله المختلفة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك