المقالات

مشروع الدولة في العراق


 

جعفر الحسيني ||

 

باستثناء الملك فيصل الاول ، فان ( مشروع الدولة ) كان غائبا عن الحكومات و الانظمة المتعاقبة في العراق ٠ بل انها لم تألوا جهدا في اعاقته ، او ان سلوكها السلطوي فاقم الاشكالات في طريقه ٠

وقبل ان نمضي في الحديث ، لابد من التأكيد بان لاقيمة لاية انجازات مادية لاي نظام ، في غياب مشروع الدولة ٠  فتلك الانجازات او اغلبها لاتلبث ان تفقد قيمتها بعد عقد او بضعة عقود ٠ اما اقامة دولة حديثة ، فهو الذي يضمن مستقبل البلد ، وتقدمه ، ووحدته ٠

فاقامة دولة قوية مستقرة ، هو الهدف الذي تنشده السياسة في كل زمان ومكان ، والذي لو قُدر له ان يتحقق ، لبرر او بالاحرى لهون اخطاء او خطايا مَن تحقق على يديه هذا الانجاز التاريخي العظيم ٠

للاسف مات فيصل الاول مبكرا ( ٥٠ عاما ) ٠ ولو قُدر له أن يعيش لكنا - ربما - امام عراق آخر ٠ فخلفه ابنه غازي ملكا على العراق ، ولم يكن قد بلغ الثانية والعشرين ، وكان ينقصه - رغم مشاعره الوطنية المتدفقة - دهاء القيادة وحنكتها ، منغمسا في ملذاته الى حد الاسراف ٠ ثم قُتل - في ٤ نيسان ١٩٣٩ - بحادث سيارة مُدبر ، بسبب مواقفه من القضية الفلسطينية ، ومطالبته بالكويت ، ومغازلته لالمانيا وايطاليا ٠

فخلفه عبد الاله بن علي ( ٢٧ سنه ) وصيا على العرش ، لان الملك فيصل الثاني لم يتجاوز الرابعة ٠ والحقيقة ان عبد الاله كان آخر مَن يصلح لقيادة العراق في مثل تلك الظروف الدوليه الخطيرة ( الحرب العالمية الثانية ثم الحرب الباردة فيما بعد ثم انبعاث الناصرية )٠ ففضلا عن انه كان موظفا بسيطا بوزارة الخارجيه ( اي بلا خبرة ) ، وفاشلا دراسيا ، وجاهلا بالشؤون العراقيه ، لم يكن رجل سياسة بل رجلا عاديا مغرما بسباق الخيل ومسرفا في الشراب ٠ وقد قضى سنوات حكمه ( نصفها في ملاحقة رجال حركة مايس والانتقام منهم ، ونصفها الاخر في ملاحقة الشيوعيين والتنكيل بهم ) ٠

وللاسف ان ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ ، هي الاخرى فشلت في بناء دولة عراقية حديثة ٠ فظلت الدولة العراقية ، عثمانية التفكير والروح والاساليب ، اي ظلت ( دولة ضد مجتمعها ) ٠ الامر الذي فاقم ازمة الكيان العراقي ، فانتهت الى ما انتهت اليه على يد صدام ثم الاحتلال الامريكي ٠

 ان كل الانجازات السياسية والاجتماعية والاقتصاديه التي قام بها الضباط الاحرار - ومنها انجازات كبرى - ظلت انجازات فوقية ، وفقدت قيمتها مع مرور الزمن ٠ الانكى من هذا انهم وقد حطموا الدولة القديمة التي كانت قائمة ، وفشلوا في بناء دولة حديثة محلها ، كانت اولى نتائج ذلك :  انطلاق الثورة الكردية ، وتصاعد الانقسام الطائفي ، وانفلات الصراع السياسي ( ماحدث عام ١٩٥٩ ، ثم ١٩٦٣ ، مثالا ) ٠

وكانت اول خطوة على طريق تهديم الدولة ، هي تغيير العلم ( هذه العادة السيئة التي حولته من الرمز الوطني الاول الذي يلتف الشعب حوله - في السراء والضراء - الى علم النظام الحاكم ٠ مع الاشارة الى ان اتاتورك ورغم انقلابه على كل ماهو عثماني ، فانه ابقى على الراية الوطنية ) ٠ وكانت النتيجة المؤسفة لهذا العمل الاحمق ، اننا البلد الوحيد في المنطقة - وربما ايضا في العالم - الذي غير علمه خمس مرات ، وها نحن - حتى هذه اللحظة - لم نتفق على رايتنا الوطنية ٠ ومما يتصل بهذا ايضا اننا البلد الوحيد في العالم ، الذي لا يملك عيدا وطنيا ، فلازلنا غير متفقين على تحديد العيد الوطني ٠ وهكذا تم العبث بكل الرموز الوطنية التي توحد الشعب وتربط بين اجياله المتعاقبه وتعزز ذاكرته الجمعية ٠

لقد اعتبر الضباط الاحرار ثورتهم ، والبعثيون انقلابهم ، نهاية التاريخ ، وبالتالي فان كل شيء في الدولة ، يجب ان يرتبط بهذا الحدث ، أو يُعبر عنه ، ونسوا ان الوطن أبقى من الثورات والحكام ٠ وان اي ثورة - مهما كانت عظيمة - لا تلبث ان تصبح حدثا في التاريخ ، تأتي وراءه احداث واحداث ٠ وهكذا تمزق العراق على ايديهم ٠

ثم جاء الاحتلال الامريكي ، وحلت المكونات محل الشعب  ، والطائفة محل الوطن ٠ وصرنا نختلف حول كل شيء ٠

ان مستقبل العراق مرهون ببناء دولته الوطنية الحديثة ، والتي تقوم على ثلاثة اسس : الالتزام بالدستور ، وسيادة القانون ، وتحقيق المساواة ٠ وعلى ذكر الدستور ، فان مشروع الدولة قد غاب تماما ، عند كتابة الدستور الحالي ، فاصابه تشوه كبير ، حتى يمكن القول انه زاد النظام السياسي الحالي تشوها على تشوه ٠ ورغم ذلك فلابد من الالتزام بالدستور ، علنا نستطيع يوما تعديله ٠

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك