المقالات

مسيرة الالف ميل تبدأ بحلم (٣)


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

حين تسوء الاوضاع في بلد ما بشكل قاسٍ جدا كما هو الحال في العراق وقت كتابة هذا المقال (١٩٢١-٢٠٢١) يكون امام الناس طريقان، لابد ان يسلكوا احدهما:

الطريق السلبي، وهو الاستسلام الى هذا الواقع السيء، والقبول به او التعايش معه على مضض يرافقه اليأس والقنوط، والانكفاء على الذات. والاستسلام يعني القعود وموت ارادة الفعل والسعي للتغيير. وهذا ما حدث في المجتمع العراقي في اوقات كثيرة، قديمة والحديثة، والحديثة ما حصل في عهد صدام المقبور، وما يحصل الان في ظل نظام المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية المقيت. ومع اليأس تبرز ظواهر سلبية اهمها، كما شخّص كارل ماركس (١٨١٨-١٨٨٣) الفهمُ المتخلف والسلبي للدين، او كما سماها التعاسة الدينية حين كتب يقول:"إن التعاسة الدينية هي، في شطر منها، تعبير عن التعاسة الواقعية، وهي من جهة أخرى احتجاج على التعاسة الواقعية. الدين زفرة الإنسان المسحوق، روح عالم لا قلب له، كما أنه روح الظروف الاجتماعية التي طرد منها الروح. إنه أفيون الشعب.". والنقد الماركسي هنا ليس للدين، وانما للمجتمع الذي يكتفي بان يجعل من ايمانه الديني "مسكّنا" لآلامه، بدل اتخاذ الدين محفزا للعمل والثورة ضد "التعاسة الواقعية". ومن هذه الظواهر السلبية اقناع النفس بوجود "مؤامرات خارجية" او "قوى داخلية متسلطة" تجعل من المستحيل تغيير الواقع التعيس.

الطريق الايجابي، الايمان بامكانية التغيير، والقضاء على الواقع التعيس وبناء واقع افضل منه.  ويعبر هذا الايمان عن الثقة بالمستقبل، والثقة بالذات وقدرتها على التغيير. وقد تطرق القران الكريم في سورة يوسف (الاية ١١٠) الى هذا الخيار حين قال: "حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ"، او كما جاء في سورة البقرة (الاية ٢١٤): "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ". وتعبر الثقة بالمستقبل عن حلم يتعلق به الانسان، حلم يصور له مستقبلا افضل من الواقع الذي يعيشه، وهو الحلم الذي عمل القران على زرعه في اذهان المسلمين الاوائل حين قال لهم:"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور 55). ومثله نقرأ في "الكتاب المقدس" حيث يقول:"لأَنِّي عَرَفْتُ مَا رَسَمْتُهُ لَكُمْ. إِنَّهَا خُطَطُ سَلامٍ لَا شَرٍّ لأَمْنَحَكُمْ مُسْتَقْبَلاً وَرَجَاءً". (إرميا ١١:٢٩) او قوله:"ارْجِعُوا إِلَى الْحِصْنِ يَا أَسْرَى الرَّجَاءِ، فَأَنَا أُعْلِنُ الْيَوْمَ أَنِّي أُضَاعِفُ لَكُمُ الأَجْرَ لِقَاءَ مَا عَانَيْتُمْ مِنْ وَيْلات" (زكريا ١٢:٩).

وواضح من اية سورة النور انها تقرن الحلم او الوعد بعنصري الايمان والعمل. الايمان بالمستقبل الافضل، والعمل على تحقيق هذا المستقبل.

نحن في العراق، نحتاج الى طرد اوهام الطريق الأول، وخاصة اليأس من التغيير، والقعود عن العمل، ونستبدل كل ذلك بالامل الكبير بان القادم لا بد ان يكون افضل اذا اقترن الحلم بالعمل، والسعي، والارادة، والتضحية، والثقة بالذات والمستقبل. ولا نحرم انفسنا من الحلم بقيام "الدولة الحضارية الحديثة"، بعد هدم اليأس والجهل والتخلف والفساد والمحاصصة. ذلك لان الحلم يشكل حافزا قويا للعمل.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك