المقالات

المدينة الآثمة..!

1466 2021-06-17

 

قاسم العجرش ||

 

لم تكن تكريت التي تبعد عن بغداد 157 كيلومترا، وعن سامراء 34 كيلومترا، مدينة مهمة في محيطها، بل كانت سامراء على الدوام ولعدة قرون، عاصمة للدولة العباسية، وحاضرة أهمَّ منها بكثير، وحينما تشكلت الدولة العراقية الحديثة، كانت تكريت وسامراء وبيجي وصولا إلى الشرقاط، جزءا من لواء بغداد، وقبلها جزءا من ولاية بغداد في عهد الاحتلال التركي (العثماني) للعراق، والذي استمر من عام 1534م إلى 1920م.

تكريت التي كانت قرية أقرب منها إلى قصبة، ولم يصح أن توصف كمدينة، إلا في أواسط القرن الماضي، لم تلعب أدوارا مؤثرة في الحياة العراقية، ولم تكن مستقرا حضاريا كبابل أو أور أو آشور أو ميسان، فقد كان سكانها مختلطي الأصول، من العرب البدو والأتراك والكرد وبقايا المسيحيين السريان، وكانوا يعملون في زراعة الخضار على شواطيء دجلة، لكن ما إن تبتعد عن حوض النهر مسافة أقل من مائة متر إلا وتبدأ الصحراء، بكل قسوتها وجلافة ووحشية البشر القلائل، المتفرقين الذين يعيشون فيها..

تكريت لم تكن مدينة تضج بالحياة يوما، وسكان تكريت وما حولها لا يمكن عدُّهُمْ حَضَرًا متمدنين، كما لا يمكن وصفهم بأنهم فلاحون، مثلما لا يمكن اعتبارهم بدوا..إنهم أفضل مصداق لرؤية علي الوردي الثاقبة، في ازدواجية الشخصية، وهذا مجرد وصف واقعي وليس اختلالا، هم خليط هجين من هذا ومن ذاك، مثل أصولهم الهجينة؛ والحقيقة أن هذا الوصف ليس عارا أو مَثلبة، لكن التوصيف ينفع في التوصل الى حقائق دورهم السلبي في الحياة العراقية، خصوصا في القرن العشرين.

الدولة العراقية الحديثة تكونت وهي تحمل عقيدة طائفية، فالملك العربي المستورد من الحجاز، اعتمد في بناء دولته على السنة، وعندما تشكل الجيش العراقي عام 1921، لم يضم ضابطا شيعيا واحدا، بل كان جميع ضباطه من السنة ومن بقايا الجيش العثماني، وحينما وجدوا أن هذه مشكلة، سموا أول فوج لهذا الجيش باسم “فوج موسى الكاظم” في محاولة لإعماء حقيقة طائفية الدولة العراقية..

بدأ تسلق تكريت إلى مفاصل الدولة مع هذا التوجه، وما إن حل العام 1963 عندما أزاح أحمد حسن البكر التكريتي؛ زعيم ثورة 14 تموز عبد الكريم قاسم..ومنذ ذلك التأريخ ركب التكارتة قارب السلطة، الذي أبحروا فيه بنهر من الدماء..دعونا نستعِدْ صورة نهر دجلة، حينما اصطبغ بلون الدم في قصر صدام التكريتي في تكريت..

40 عاما كانت دولة العراق تحكم بعقلية القرية التائهة الانتماء، التي لا تعرف وسيلة لتثبيت وجودها إلا الدماء، وحتى الذين حاولوا تغيير نظام الحكم، سلكوا نفس المسلك..الدماء، وكانوا من جسم هذه القرية، وأغلب الانقلابات كان يقودها ضباط تكارتة!

حينما حصل التغيير الكبير في نيسان 2003، فوجيء التكارتة بزوال سلطان لم يغادروه لقرابة قرن من الزمان، وكان صعبا عليهم الرضوخ للأمر الواقع، وتصديق أن أنموذجهم الذي يفتخرون به، كان قد أخرج للتو من حفرة، وأن رجالاتهم يقفون أمام المحكمة الجنائية العليا، ويُحاكمون عمَّا اقترفوه من جرائم، نشير الى أن تكريت استقبلت الفاتح الأمريكي بحفاوة، وسلمته مفاتيحها بحفل رسمي، ولم يطلق التكارتة إطلاقة واحدة على المحتل..

كانت لذة السلطة لا تفارق أفواههم، ولذلك مدوا جسور التعاون مع المحتل، علهم يستعيدون بعض عزهم المفقود، وحينما أنشأ المحتل الأمريكي التنظيمات الإرهابية لتركيع الشيعة الرافضين للاحتلال الأمريكي، فالقاعدة وجيش محمد وجيش النقشبندية وجيش عمر وغيرها، كانت مادة هذه التنظيمات وقوتها القتالية الرئيسية، متكونة من الضباط التكارتة الذين كانوا يقودون أجهزة الطاغية صدام القمعية، وهم يمتلكون خبرة هائلة بالقتل وإنتاج الدماء.

جريمة جنود قاعدة سبايكر، التي ارتكبها التكارتة، يجب أن نفهمها في هذا السياق، وليس في أي سياق آخر.

كلام قبل السلام: تكريت مدينة آثمة..!

سلام….

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
حجي أسامه غالب
2021-06-18
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك