المقالات

توظيف الرمزية في بناء الدول


 

محمد كريم الخاقاني *||

 

منذ بداية نشوء الحضارات، وتزايد الحاجة الى التعاون بين المجتمعات البشرية، برزت فكرة الرمزية في التعبير عن  الانشطة  بشكل علامات او إيماءات او غيرها، لتقرب المسافات بين الأفراد  ومن ثم تعطي دلالات يمكن تفسيرها وفقاً للمدركات او ما ترسخ في أذهان الجماعات، فقد تكون الرمزية مجسدة في صورة قائد او شخص لديه من المواصفات والإمكانات ما لا تتوافر في غيره، ولذلك تتوارث الاجيال تلك الصور الرمزية المعبرة عن تلك الشخصية التي قادت في لحظة تأريخية ما البلد لمواجهة ازمات تعترضه او مخاطر احاطت به الى بر الأمان، وعليه تجسدت صورته في إقامة نصب تذكاري يخلده وهي دليل على الإرتباط التأريخي وتعاقب الاجيال لتكون تلك الصورة الرمزية حاضرة في أذهان الجيل الجديد على الرغم من عدم رؤيتها له، بل تعتمد فقط على ما يصلها من مواقف ومحطات له في سالف الأزمان، لتكون الأرتباط الحقيقي لماضي الدولة او الأمة وحاضرها وصولاً لمستقبلها.

ولا تقتصر الصورة الرمزية بشخص القائد او الشخص البطل، بل تتعداها في قيمتها المعبرة في تصوير بعض من مظاهر الصراع وبالخصوص إذا ما تعلقت بالهوية الوطنية والتأريخية، فبعض الشعوب لا تزال تحتفظ بموروثاتها الثقافية كما يظهر جلياً في الصراع العربي— (الإسرائيلي)، وعلى الرغم من المحاولات المستمرة لطمس معالم الوجود العربي في فلسطين، إلا إننا نرى تمسك الأسر الفلسطينية برمزية الإحتفاظ بمفاتيح منازلهم التي إغتصبتها العصابات الصهيونية المحتلة منذ نهايات الإربعينيات من القرن العشرين، وهذا دليل وكناية عن حق الأسر الفلسطينية بالعودة المشروعة لمنازلها واراضيها.

وتكتسب الرمزية اهمية متنامية في الأنظمة السياسية كونها ذات فاعلية في تحقيق اهدافها، وخصوصاً في عمليات بناء الدول، وكذا الحال مع اي تحولات كبرى تطرأ عليها، فتؤدي المتغيرات المفصلية فيعا الى ترسيخ القيم الجديدة للدول الحديدة المتكونة، وهو ما نراه ماثلاً لدينا بعد عام ١٩٩١ وإنهيار الكتلة الشيوعية ودول المنظومة الإشتراكية الى دول جديدة في شرق اوربا كما في حالة الإتحاد السوفيتي السابق ويوغسلافيا.

وهناك مجموعة من الوظائف والمهام التي يجب ان تقوم بها الرموز الوطنية بعد التحولات الإستثنائية في حياة شعوبها، ومن بين تلك الوظائف، سيادة مبدأ شرعية الدولة، إذ تؤدي الرموز الوطنية الدور الأبرز في تحقيق اهداف سياسية، فكلما استطاعت الدولة من الإستفادة من الرمزية السياسية لشخص ما، كلما كانت اهدافها قابلة للتحقيق بمدة قياسية، فالدولة تستخدم رموزها للتأثير على مواطنيها، بل يتعدى ذلك الى تبني قيم وافكار تعتقد هي بصحتها، وكذلك ما يجب ان يكون عليه سلوك شعبها ومن ثم فهي تعزز من سيادة شرعيتها وعدم فقدان مصادر شرعيتها الداخلية.

وتحدد الرمزية الظروف المؤاتية لبناء هوية وطنية موحدة تنصهر فيها الهويات الفرعية، فالرموز الوطنية تجعل من المواطنين داخل الدولة اكثر إنفتاحاً لقبول الآخر المشترك معه في الوطن، إذ قد يكون إستخدام الرموز الوطنية لبعض ديناميات الصراع مدمراً لبناء دولة، وفي المقابل يكون اللجوء للخيمة الجامعة ونقصد هنا الرمزية السياسية لشخص ما لتأريخه ونضاله  الدور الأمبر والفاعل في تحقيق الوحدة داخل الدولة وزيادة الوعي بضرورة إنتهاج سياسات منفتحة على الجميع دون تمييز وهنا سيكون الرمز الوطني دلالة بارزة للدولة وغاية لتحقيق اهدافها.

وتؤدي الرمزية السياسية الدور المميز في إعادة كتابة التأريخ لدى الشعب المكون للدولة، وهنا تبرز ضرورة إيجاد ذاكرة جمعية متفق عليها لتحقيق هدف إبراز مظلوميتها ونضالها لتحقيق هدف العيش المشترك داخل حدود دولتها بغض النظر عن قومياتها ومذاهبها ومعتقداتها، وهنا لابد من آليات لتحقيق ذلك الهدف، ويكون عن طريق إقامة النصب التذكارية التي تخلد مسيرة المناضلين، ووضع التشريعات القانونية موضع التطبيق لإنصاف ذوي الضحايا وإنصافهم وهو ما يعني الفهم الجمعي للمكونات التي عانت من وحشية وتسلط الأنظمة الدكتاتورية لها، لتعزز تلك الآليات من قيم المصالحة والوحدة الوطنية عن طريق الفهم الصحيح لمظلومية الفئات المضحية وإستذكار تضحياتها وحفظ حقوقها المكتسبة وفقاً لقوانين العدالة الإنتقالية وإنصافهم وإعادة دمجهم في المجتمعات.

 

* اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك