المقالات

لنذكرهم بالوطن..!


 

علي علي ||

 

 

نقـِّل فؤادك حيث شئت من الهوى       

           مـا الحـب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفـه الفتـى

           وحنيـنـه أبـدا لأول منـزل

  ليس على أرض المعمورة مخلوق إلا وله بيت ترعرع ونشأ فيه، وطبع في نفسه الحنين اليه مهما جاب البلدان وتنقل في الأمصار، ففي عالم البحار على سبيل المثال، نرى كيف تقطع أنواع من الأسماك والحيتان آلاف الكيلومترات رجوعا الى موطن آبائها لتضع بيضها هناك، وتفقس الأخيرة بدورها وتكمل دورة الحياة، وتقطع مرة أخرى مسافات عبر المحيطات والبحار لتعيش في نفس مكان آبائها، وتمارس فعالياتها الحيوية كأسلافها.

  كذلك في الطيور التي نراها في موسمي الربيع والخريف أسرابا بارتفاعات شاهقة في كبد السماء، قاصدة موطنها الأم عبر الجبال والصحارى، لتكرر نفس الفعاليات الحياتية في وضع البيض، وهذا ديدن الحياة. ونحن بني آدم الذين سخر الله لنا (ما في السماوات وما في الارض)، لنا في مشارقها ومغاربها وسهولها وجبالها أماكن تأقلم كل قوم فيها على ماوفر له الخالق بارضها ومائها وسمائها، ذاك هو الـ (وطن) وكلنا نشترك في حبه والحنين اليه، ولامناص لنا من تفضيله -من حيث نشعر ولانشعر- على بلدان العالم جميعها.

  ومفردة الوطن لها مرادفات عدة في لغات العالم جميعها، أما ساحرتنا اللغة العربية ففيها لكل جنس من المخلوقات تسمية لموطنه، فالوطن للإنسان، والعطن للبعير، والعرين للأسد، كذلك باقي الأنواع، فيقال: وجار الذئب والضبع، وكناس الظبي، وعش الطائر، وقرية النمل، وكور الزنابير، ونافقاء اليربوع. والطيور هي الاخرى لكل صنف منها اسم لموطنه، حيث يطلق على ما يضعه الطائر على الشجر وكر، فإن كان على جبل أو جدار فهو وكن، وإذا كان في كِن فهو عـِش، وإذا كان على وجه الأرض فهو أفحوص. وتحصيل حاصل، فالوطن صغر أم كبر! مرعى كان أم ارضا جرداء! جبلا أم واديا! فهو وطن نحنّ اليه ونذود عنه ونلوذ به، وقطعا تتنامى في تكويناتنا الشخصية تبعا لهذا مشاعر وأحاسيس، تنفرد بعشق الوطن حد التعلق به، ولن تبرح هذه المشاعر نفوسنا حتى نوارى في الثرى. وقد تغنى في حب الوطن كثيرون لايقف عندهم عد، ولاينتهي بهم حساب. فهذا أمير الشعراء أحمد شوقي ينشد في وطنه:

وطني لو شغلت بالخلد عنه

            نازعتني اليه بالخلد نفسي

ويقول الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل: "جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، لكن الأجمل أن يحيا من أجل هذا الوطن".

أما الجاحظ فقد قال في رسالة الحنين إلى الأوطان: "كانت العرب إذا غزت أو سافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقه".

 فعجبي لمن يملك أوراقا ثبوتية تؤكد نسبه الى بلد، وجنسية تشهد انتماءه له، فيما نفسه لاتتوق الى العيش فيه ولاتود رقيّه وتحضره واستقراره وازدهاره، وأسفي أن يكون في بلد مثل العراق أناس يرون ان أصغر الحيوانات تستميت من أجل موطنها، وهم يعتبرون العراق محطة أو (كشكا) يتبضعون منه ويرحلون، هم الذين يتجسد فيهم بيت الشعر:

نحن انتمينا إلى تاريخنا بدم   

             وآخرون على تاريخهم بصقوا

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك