المقالات

ليث شبر بين الحرية والتحريض شعرة!


 

محمد كاظم خضير ||

 

يفصل الحرية عن التحريض خيط رفيع، يتجاوزه كثيرون لينتقلوا إلى ممارسة التحريض المباشر، وكل ذلك ضمن نطاق الحريات كما يُتصور لهم، وهي بالواقع على نقيضها تماما، إذ تتحول إلى مشانق تُعلّق بفضاء الحرية، لتحكم على الآخر دون حق وتعرض حياته للخطر بدعوى حرية رأي وتعبير.

والتحريض بذاته، هو استخدام خاطئ ومفرط للحرية، قد يأتي به الشخص تطويعا لمزاجه ورغبته كيفما كانت، وبلا مراعاة للتبعات التي يمكن أن تنتجها هذه الممارسة الخاطئة، والقاتلة في أحيان كثيرة.

قبل أيام شدتني دعوة السياسي ليث شبر بتغريدة له

على موقع توتير بعد استشهاد الناشط ايهاب الوزني حيث يقول '' ‏أيها الثوار والوطنيون اتكلم معكم حصراهل تريدون أن نذبح كل يوم كخرفان العيد فأمامنا طريقان إما الموت بكواتمهم أو الكفاح المنظم الذكي السري فاجمعوا أمركم ونظموا صفوفكم وقرروا فقد بلغ السيل الزبى واستسهلت دماءكم فلا أحد يحمينا غيرنا.''

 وهذه التغريدة التي ‏يجب تفعيل فقرة ٤ إرهاب بحق من حرض على الاقتتال الداخلي ويدعو إلى حمل السلاح والسكوت عليهم سوف يجر البلد الى فتنه لا تحمد عقباها.

وغرد بتغريدة آخره ‏'' وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ  '' وهذه الدعوه إلى قتل  لخصومه في الشوارع في سياق احتفاءه بمشهد ينتصر للحريات مقابل التطرف الديني ،كما يقول، وهو هنا يمارس حرية تعبير ورأي مقابل ما يراه تطرف الآخر، لمجرد تعبيره ايضا عن رأي مقابل يرفض فيها تلك المشاهد وهذا التحريض كان ضحيته  إصابة المراسل احمد حسن .

التغريداتين باعتقادي أخذا قالب التحريض، غير أن الأول كان تحريضا مباشرا يستثير غريزة العنف ويتوعد مخالفيه بالقتل علانية، بينما مثّل الآخر تحريضا غير مباشر حين تجاوز حريته في التعبير ليصادر حرية غيره في الفعل، تاركا الباب مفتوحا أمام الآخرين للتعرض لهم، فيما تقاسم الطرفان التشهير بحق أصحاب تلك المشاهد، وهو جانب آخر للتحريض و انتهاك صارخ للخصوصية، حين حولت صورة مناسبة خاصة إلى قضية للجدال والتجاذب الفكري بما فيه من تحريض متبادل.

والمفارقة هنا أن الداعي لقتل شخصية ينتمي للتيار المدني الذي يدعو للحريات ويقدم نفسه للمجتمع كمدافع عنها ومحامٍ للحقوق، وفي المقابل يتهم خصوم له في العراق بالتطرف، وهذا ما يؤكد أن التطرف لا فكر له ولا وعاء ثابت، فالمنبر المحرض كما القلم والصحافة والرأي والصوت الذي تمارس ذات الأسلوب، والمعمم المتطرف هو نفسه من يلبس السلاسل ويشرب الخمر ويحرض على قتل غيره وانتهاك حرياتهم، يفرقهم الاعتقاد ويجمعهم التطرف.

والتطرف يعيش في الأوساط المدنية كما في غيرها، ويعشعش في الذهن الليبرالي والحداثي واللاديني كما في الديني وغيره، ما يعني أنه سلوك عدواني ذاتي يمارسه أشخاص أو أطراف مختلفة كلما ضاقت ببعضها، وهو ناتج عن فهم خاطئ وتغذية وممارسة سلبية وعدم تقبل للآخر، ومنبته التطرف في استخدام الحريات.

في مجتمعاتنا المفتقرة لنظام القانون الذي يحافظ على الشعرة الفاصلة بين الحرية والتحريض وبين التعايش والتطرف، نعاني من غياب الفهم الدقيق لمعنى الحرية وحدودها، والشائع عند كثيرين أن الحرية بلا سماء ولا أطر ولا محاذير ولا حدود لمداها، ويعرّفونها على أنها كل ما تجاوز المألوف وتخطى المحاذير والقيود وكسر العادات والمنطق، وهذا هو منطلق الممارسة السلبية والسبب الرئيس في تجاوزها إلى التحريض.

وإلى جانب تعريفات عدة، يمكن تعريف التحريض بأنه الشرعنة للجريمة أو إقناع الناس بمشروعيتها وعدالتها تجاه فرد أو مجموعة أو جماعة لمجرد اختلاف في وجهات نظر أو تقاطع آراء، وهذا القالب التحريضي يأخذ صور عدة منها التعرض للآخر بأوصاف ومفردات تثير الكراهية وتدعو للعنف ضده، وتبلغ خطورتها حين توجه لمجتمع مشحون بالعنف يعيش حالة لا استقرار، ويعاني من غياب النظام والقانون، ما يعني أن التحريض والتطرف يصبح هو السائد وهو القانون الحاكم للمجتمع والمنظم لحياته.

"تنتهي حريتك حين تمس حرية الآخرين" يفترض أن تكون هذه القاعدة منطلقا رئيسيا لممارسة الحرية وإطار عام يضمن تجنب الوقوع في خطيئة التحريض والانجارا معه للتطرف، وتحويله إلى ممارسة طبيعية للحريات وشكل من أشكال التعبير، قبل أن يتحول التحريض فعلا إلى حق من حقوق الرأي والتعبير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك