المقالات

"شفت شواربه وتغزلت بيه..."


 

علي علي ||

 

  من أمثلتنا التي نستعين بها في يومياتنا المثل القائل؛ (الكتاب يبيّن من عنوانه) وقد سبقنا في هذا المعنى الشاعر العباس بن الأحنف حيث أنشد:

كنت مثل الكتاب أخفاه طي   

       فاستدلوا عليه بالعنوان

  وهذا مايحذو حذوه ممتهنو الصحافة، إذ أن إيلاء الـ (مانشيت) أهمية كبيرة في تحرير الخبر الصحفي في وسائل الإعلام المقروءة، وانتقاء مفرداته وفق ضوابط وشروط لغوية ونحوية، يضفي على الخبر جاذبية وتشويقا. إلا أن هناك شرطا أساسيا في هذا الأمر، على القائم بتحرير الخبر أن يأخذه بعين الاعتبار، هو أن تكون أهمية الخبر والأحداث التي يتضمنها الموضوع، تتلاءم مع الصورة الرائعة التي يرسمها المانشيت، وتوازيه في نظر القارئ، وإلا فالأمر سيأخذ طابع الخداع والتمويه والتحايل. فحين يتابع القارئ متن الموضوع ولا يجد فيه ما استوحاه من المانشيت من قوة وأهمية، تتزعزع ثقته بكاتب الموضوع، وسيثأر للخديعة التي تعرض لها، وسيعدّ مامر به ضربا من الاستدراج والمراوغة، لإرغامه على قراءة الموضوع، وقطعا هذا ليس من صالح الكاتب والجهة الإعلامية التي تصدر ذاك المطبوع. وباستذكار لبعض المانشيتات التي كان يضعها كادر متخصص في وسائل الإعلام في زمن النظام السابق. كنا نقرأ في صدارة الصفحات مانشيتات بالخط العريض أمثال:

* من حمورابي الى صدام حسين...

* نبوخذ نصر ينهض من جديد...

* حمورابي يحمل مسلته الينا...

ثم يتبين بعد حين هراء تلك العبارات وخواؤها من كل معنى تحمله مفرداتها، بل هي كانت كما قال الشاعر الأندلسي ابو بكر بن عمار:

 مما يزهدني في أرض أندلــس

            أسـمـاء معتضـد فيها ومعتـمـد

 ألقاب مملكة في غير موضعها

            كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد 

     ما دعاني الى الاطناب في موضوع العناوين والاشارة الى ما نريد بها والاستدلال على الأشياء بمسمياتها، هو ما نستمع اليه في أخبار عراقنا، عراق الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة، عراق الحكام المنتخبين الذين رفعهم المواطن نفسه، ليضعهم موضع المتحكم في أمره وأمر بلده، إذ مافتئت آذاننا تصغي للأسماء الرنانة في عالم السياسة، فالشخصيات القيادية صارت تحيطها هالات من التبجيل والتفخيم، والأحزاب سبقتها الى إطلاق العنان لأسماء كانت قد انتقتها لنفسها، وقطعا هي أسماء إيحائية ترمز أحيانا الى ما هو أسمى وأنقى من المسمى ذاته. ولقد عهدنا كثيرا من المسميات جانبت فحوى الاسم المطلق عليها، فهناك اليوم فيما يخص الكتل والقوائم والكيانات والتحالفات، ما تحمل من الأسماء الرصينة والألفاظ الجزلة، ما يشير الى معانٍ سامية ووطنية، وأغلبها ينم اسمه عن رعاية مصلحة البلد وجعلها فوق كل المصالح. وأخرى تشير الى التآزر والتكاتف والاتحاد وتنادي به، وهناك كتلة حملت اسم العراق فانتسبت اليه، وكتلة اختارت أصغر خلية في المجتمع -وهو المواطن- فتسمت باسمه، ومعلوم أن الفرد هو أصغر خلايا المجتمع. وكتلة اختارت من الألوان أنصعها وأنقاها اسما لها، فصار الأبيض عنوانها. ونرى كتلة جعلت من مشروعها دليلا عليها فاختارته مسمى وتعريفا لها.

  وهكذا تعددت أسماء الكتل، ولكن أفعالها تبقى مجهولة المصداقية الى حين، إذ لا أحد يبت في هذا حاليا، ولا أحد يجزم فيما اذا ستكون الأفعال بذات الوقع والصدى الذي تحمله الأسماء؟ حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود، فمشوار إثبات النيات السليمة مازال يحبو كطفل تائه، ذلك أن النيات السليمة ابتعدت عن المقاصد الحقيقية لدى أغلب أولي أمر البلد من الساسة والمسؤولين، ولنا فيما آلت اليه أوضاع البلد خير دليل وشاهد على النيات المبيتة منذ ثماني عشرة سنة، وهي واضحة للعيان في أركان البلد ومؤسساته كلها، وقد قيل في أمثالنا:

 "شفت شواربه وتغزلت بيه

 ولوما شواربه ماچنت الفيه"

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك