المقالات

حرية التعبير في مجتمع تعددي


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

تُجمع البشرية الان على الاعتراف بحرية العقيدة. فكل انسان حر فيما يؤمن به. وعلى صعيد المجتمع الاسلامي فقد اعلن القران منذ وقت مبكر انه "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" على قاعدة "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ".

وتُستكمل حرية الاعتقاد بحرية التعبير عن هذا المعتقد. ومن هذا المنطلق تنص دساتير الدول الحضارية الحديثة على ضمان حرية التعبير لمواطنيها. فالمادة ١٩ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام ١٩٤٨ تنص على ان "لكلِّ شخص حق التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود." وتنص المادة ١١ من ميثاق الحقوق الاساسية للاتحاد الاوروبي (عام ٢٠٠٠) على ان "لكل شخص الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء، وتلقي ونقل المعلومات والأفكار، دون تدخل من السلطة العامة وبصرف النظر عن الحدود."

وهذا ما فعله الدستور العراقي ايضا رغم ان العراق ليس في عداد الدول الحضارية الحديثة حسب المؤشرات الدولية المتعلقة بهذا الموضوع. فالمادة (38) من الدستور تنص على ما يلي: "تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:

اولاً :ـ  حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

ثانياً :ـ  حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.

ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون."

ومن الطبيعي ان نتوقع، ونتيجة لممارسة هاتين الحريتين، ظهور تعددية في المجموعات البشرية ذات العقائد والافكار والاراء المتباينة. وهذا امر طبيعي لا يثير الفزع ولا يعتبر مشكلةً في المجتمع البشري. والقران يحرص على ان يتعود الناس، بما فيهم المسلمون، على ذلك: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ".

وحين تصبح التعددية الفكرية والعقائدية حقيقة موضوعية في المجتمع، وجب على الجماعات المختلفة التوافق على اعتماد مبدأ التعايش السلمي بينها. لانه بدون التعايش السلمي لا يمكن ان تستقيم حياة المجتمع التعددي. وهذا ما دعا اليه القران الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً". وهذه هي قاعدة السلم الاهلي. "وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا".

ومن لوازم التعايش السلمي في المجتمع التعددي الاحترام المتبادل بين اصحاب المعتقدات المختلفة. والاحترام المتبادل يتضمن ايضا عدم الاساءة وعدم الحاق الضرر بالاخر باي شكل من الاشكال ماديا ومعنويا.

وهذا ما لاحظه الامام السيستاني  (سنة ١٤٠٩ هجرية)، حيث طرح فكرة قانون الاحترام المتبادل ومفادها انه "اذا كان بناء المجتمع المتشكّل من الاديان والمذاهب المختلفة على التعايش السلمي فان ذلك يستدعي احترام كل من الاطراف قانون الطرف الاخر". "وذلك لان عدم الاحترام ينافي التعايش السلمي المشترك الذي هو اساس الذمة والهدنة والتعاون". ( كتاب "قاعدة الالزام"، تقرير السيد محمد علي الرباني، المطبوع سنة ١٤٣٦، ص ٧٢-٧٣). ويلاحظ في هذه النقطة ان السيد السيستاني عالج المسألة الفقهية في ضوء طبيعة المجتمع وهو مجتمع تعددي قائم على التعايش السلمي بين مكوناته المختلفة، ولم يتعامل مع النص الديني بمعزل عن الواقع الاجتماعي.

لكن الاحترام المتبادل يفرض قيدا مقبولا من الجميع على حرية التعبير. حريتي في التعبير عن معتقداتي تتوقف عند حد احترام معتقداتك. فاذا كانت ممارستي لحريتي في التعبير تنسف احترامي لمعتقداتك، وتسيء اليها، وتلحق الضرر بها، فيجب ان اتوقف عن ممارستها، لا من باب التنازل عن حريتي، ولكن من باب الحفاظ على السلم الاهلي القائم على اساس الاحترام المتبادل بين اصحاب العقائد المختلفة، ومن ضمنها الاديان بطبيعة الحال.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك