المقالات

التكافل الاجتماعي و جائحة كورونا


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

تحدثت في عدة مقالات سابقة عن التكافل الاجتماعي وضرورة تفعيله بسبب نسبة الفقر العالية في العراق حيث تجاوز عدد الفقراء ١٠ ملايين شخص.

وجوهر فكرة التكافل الاجتماعي ان الدولة والمجتمع مسؤولان عن توفير الحد الادنى الحافظ لكرامة الانسان غير القادر على اعالة نفسه لسبب ما كالمرض او كبر السن او عدم توفر فرص العمل. ويتم توفير الاموال اللازمة للتكافل الاجتماعي من المال العام و مما تاخذه الدولة من المواطنين الاخرين.

وهذا مبدأ دعا اليه الاسلام بنص القران الكريم حيث تقول الاية ٦٠ من سورة التوبة:"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". ويذكر المؤرخون انه مرت اوقات على بلاد المسلمين لم يكن فيها فقراء بسبب تطبيق هذا المبدأ. يروى ان الناس اكتفوا في زمن عمر بن عبد العزيز حتى لا تجد الصدقات في بعض البلدان من يأخذها لارتفاع مستوى الدخل الفردي لعامة الناس مما نسميه اليوم فوق خط الفقر. وفي ذلك يقول احد مسؤولي الدولة انذاك:"بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات افريقيا، فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد بها فقيرا ولم نجد من يأخذها منا...".

وقد انتبهت الدول الحضارية الحديثة الى هذا المبدأ الاجتماعي-الاقتصادي العظيم فاخذت بتطبيقه لكفالة الفقراء من مواطنيها. وهو الامر المعمول به الان تحت عنوان الضمان الاجتماعي social security في السويد و الدانمارك وهولندا وبريطانيا وغيرها. وقد شملت برامج الرعاية الاجتماعية في أوقات مبكرة في أوروبا قانون الفقراء الإنجليزي لعام 1601، والذي أعطى الأبرشيات مسؤولية توفير مساعدات الإغاثة من الفقر للفقراء.  وقد تم تعديل هذا النظام بشكل كبير من خلال قانون الفقراء الإنكليزي لسنة 1834، الذي أدخل نظام ملاجئ الفقراء.

واجمعت البشرية في الاعلان العالمي لحقوق الانسان (عام ١٩٤٨) على حق الضمان الاجتماعي حيث قالت المادة ٢٢: "لكل شخص، بوصفه عضوا في المجتمع، حق في الضمان الاجتماعي، ومن حقه أن توفر له، من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتفق مع هيكل كل دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرية."

ولكن حين تعجز الدولة عن تحقيق التكافل الاجتماعي بسبب سوء الادارة فيها كما هو حالنا في العراق، فان المسؤولية الاخلاقية والانسانية تنتقل الى المجتمع، حيث يسهم من هم فوق خط الفقر باعالة وكفالة من هم دون خط الفقر. ويتم هذا بطرق شتى منها المساهمة المالية المباشرة او السعي في توفير فرص عمل او تقديم خدمات مجانية او بسعر مناسب من قبل من يملكون هذه الخدمات. وهنا اشدد على النقطة الاخيرة التي يتحمل مسؤوليتها الان الاطباء والصيادلة في مجتمعنا. فقد غزت جائحة كورونا العراق، كما فعلت في كل بلدان العالم، وبلغ عدد الاصابات المعلنة حتى ساعة كتابة هذا المقال اكثر من مليون شخص وعدد الوفيات اكثر من ١٥ الف نسمة. ويحتاج المواطنون بشكل مستمر الى اجراء الفحص او (المسحة)، كما يحتاج المصابون الى العلاج، ويحتاج الاخرون الى مقويات المناعة من الفيتامينات وغيرها. وقد لوحظ الارتفاع الفاحش في هذه الخدمات والعلاجات حيث استغل تجار الادوية والاطباء والصيادلة هذه الفرصة للاثراء السريع. وصحيح ان الحكومة تتحمل جزءاً اساسيا من هذا الغلاء بسبب تغيير سعر صرف الدينار، الان ان هذا لا يعفي غيرها من المسؤولية. هنا اقول ان احد اشكال التكافل الاجتماعي ان يعمل مقدمو هذه الخدمات والسلع  على اعانة اخوانهم الفقراء على الحصول عليها بسعر زهيد.

ــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك