المقالات

التمرد الجيلي وصراع الايديولوجيات

963 2021-04-17

 

د. عباس العطار ||

 

تعد مرحلة الشباب من اخطر المراحل التي يمر فيها الانسان، انها مرحلة التحولات على المستوى الجسدي والنفسي والفكري.

في هذه المرحلة تتقدم العضلات ويكون للعاطفة علوية في اغلب الحوارات التي يخوضها الشباب، ففيها تصم الآذان عند مجالس النصح والارشاد ويعلو صوت الرفض بوجه المرشد الناصح مهما كان مقامه.

هذا التمرد اذ يبدو انه من سنن الحياة وتداول ايامها طبيعيا، الا اننا لا يمكن التغافل عن وجود من يُغذي هذا التمرد ثقافيا ويوجهه بالوجهة التي يريد.  

اذا تناولنا اقرب مدة زمنية وهي الخمسينيات والستينيات ستكشف لنا حجم التأثير الثقافي للنظرية الماركسية وكيف اخذت تسري في اواسط الفلاحين والطبقة العاملة لان المد الثقافي للحركة الشيوعية داعب احساسيس ومشكلات ومعاناة هذه الطبقة بسبب تسلط الاقطاع والعوائل البرجوازية فتأثر الكثير بهذا الفكر وانخرط فيه تنظيما وثقافة.

وسادت الافكار العروبية والقومية العربية فيما بعد وانتشرت بسرعة حتى التحق في هذا الركب الثقافي الجديد الكثير من الشباب العربي.. ردا على التوسع الاجنبي في منطقتنا واحتلال اسرائيل لفلسطين.

وفي نفس المرحلة كان للتيارات الاسلامية حضور ملفت للنظر بين عامة الشباب والمثقفين والطبقات الاكاديمية.

الملاحظ على مدى تلك الثلاثين او الاربعين عاما شهدت الساحة الفكرية والثقافية نشوء ثلاث تيارات فكرية وتنافس كبير قائم على فكرة الصراع ويهدم فكر الآخر تمهيدا لتحطيمه وألغائه للتفرد بالساحة الثقافية.. بدل أن يؤسسوا لمنهجية احترام التنوع.

ان خطورة هذه التيارات ليس في نظريتها، بل في تبني فكرة الصراع منهجا وممارسة وكان الشباب العربي والاسلامي في منطقتنا ضحية وقد نال نصيبه من القمع والإلغاء والتغييب على يد الحكومات الشمولية في تلك المراحل.

ما نشاهده اليوم ان النظريات والايديولوجيات قد باتت بحكم الميت سريريا في ظل هيمنت العولمة الثقافية وسيادة التواصل العالمي الذي ألغى الجغرافيات وقاربها فكريا فاصبح المد الثقافي يدفع باتجاه تبني هوية لا تعترف باي فكر او فلسفة او نظرية.. فاليوم تحول العالم رغما على كل الايديولوجيات فما عاد لها الصمود ولا تتمكن من ترميم اوضاعها بعد ان اصبحت وسائل التواصل اداة مجانية وطيعة بيد المواطن في كل بلد وعند كل نقطة جغرافية.. واليوم حضرت المواطنة بثوبها المرقع ومفهومها المهلهل المائع اذ يدعيه كل من الاسلامي والقومي والماركسي والأثني واللا وجودي وكل يفسره على منهجيته وعقيدته، وحقيقة الأمر ان الاغلب الاعم اخفقوا في طرح نموذج وطني تؤسس لمواطنة حقيقية تحترم الايديولوجيات ولا تكون بديلا عنها، بل تعمل على ترشيد فكرة المواطنة وتعزيزها بعيدا عن فكرة الصراع والإلغاء ومس مشاعر الآخرين وعقائدهم.

من وجهة نظرنا ان مفهوم المواطنة المطروح حاليا حتى من قبل النشئ الجديد ما زال مشوها وبحاجة إلى مراجعة وتأصيل حتى لا يصبح سلاحا يحمله جميع المؤدلجين في معركته الفكرية ضد مناوئيه.

المواطنة التي نهدف لا تلغي اي تيار فكري انها مواطنة الهوية الكلية التي تجمع مشتركاتنا وتضمد جراحاتنا وتلم شتاتنا.. لنحترم فكر الاخر فلسنا ارباب على عقول الناس ومن اصدق من كلام الله سبحانه وتعالى حين قال {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (النحل 126).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك