المقالات

استخلاف الانسان..الحلقة الثانية


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

استخلاف الانسان في الارض هو محور منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة. وهذه المنظومة هي شرط اقامة الحياة الكريمة والطيبة للانسان؛ شرط انتاج الحضارة الانسانية واقامة الدولة الحضارية الحديثة.

الاستخلاف يعني، كما كتب سيد قطب في تفسير اية الاستخلاف، "بناء الارض وعمارتها، وفي تنمية الحياة وتنويعها، وفي ... تطويرها وترقيتها وتعديلها، على يد خليفة الله في ارضه"، اي  الانسان.

 الانسان الخليفة  هو العنصر الاول والقائد في هذا المركب الحضاري. لكن فاعليته في المركب الحضاري مشروطة بصياغة توجهاته السلوكية والعملية وعلاقاته مع بني جنسه ومع الطبيعة في ضوء هذه المنظومة. اي ضرر يلحق بهذه المنظومة، وبالتزام الانسان بها، يؤدي الى تخلف الانسان عن اداء دوره كخليفة في الارض.

الاستخلاف هو القيمة العليا الحاكمة في منظومة القيم العليا، ولهذا ينبغي الحفاظ على هذه القيمة وتزويدها بكل القيم الفرعية المساعدة لها.  ولهذا  تتطلب قيمة الاستخلاف على ثلاث رافعات هي الحرية والعدل والمساواة.

فاما الحرية، التي تعني عدم الاكراه وحرية الاختيار وحق تقرير المصير، فقد نص عليها القران في اكثر من اية كما في قوله تعالى:  "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"، "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا"، "مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا"، "لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ".

واما العدل فقد امر به الله بصيغة حاسمة لا تقبل التراخي والتأويل: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ، وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ."

والمساواة، كما في قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".

وانما اوردت الايات القرانية لا لحصر مرجعية هذه القيم بالقران الكريم، وانما لابين ان جوهر الدين هو القول بهذه القيم التي يقول بها المفكرون والفلاسفة، والتي اصبحت الان من القيم المقبولة عند كل البشر.

وتجمع البشرية الان على مفردات منظومة القيم العليا كما ورد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام ١٩٤٨ الذي يقول في مادته الاولى: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء"، وفي المادة الثانية: "لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته"، وفي المادة الثالثة: لكلِّ فرد الحقُّ في الحياة والحرِّية وفي الأمان على شخصه".

ما اريد الوصول اليه من كل هذا هو ان البشرية تسير بخطى تراكمية نحو الاتفاق والاجماع على منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري، مما يمكن ان نسميه بعولمة القيم العليا وانسانيتها، مما سيؤدي في نهاية المطاف الى استعادة الوحدة البشرية التي كانت عليها ذات يوم، كما في قوله تعالى:"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك