المقالات

السيستاني والدولة الحضارية الحديثة /2


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

واذا كان الفكر الوضعي قد تجاوز اشكالية الشرعية منذ زمن، فان الفكر الديني ظل يتنقل بين محطات مختلفة، الى ان بدأ فقهاء ومفكرون، امثال عبد الرحمن الكواكبي  والشيخ النائيني وغيرهما، بتحطيم جدار الاستبداد والاقرار بحق الشعوب بتقرير مصيرها.  لكن الامام السيستاني اكمل ما بدأه هؤلاء واعلن بوضوح مطلق  في الكلمة السياسية لصلاة الجمعة  ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٩ ان "الحكومة إنما تستمد شرعيتها ـ في غير النظم الاستبدادية وما ماثلها ـ من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره، وتتمثل إرادة الشعب في نتيجة الاقتراع السري العام إذا أُجري بصورة عادلة ونزيهة." و "ان الشعب هو مصدر السلطات ومنه تستمد شرعيتها".

وطبيعي ان نستنتج ان هذه الشرعية ترتبط بالانتخابات التي تجري وفق قانون منصف عادل. وهذا ما ركز عليه السيستاني مباشرة بعد سقوط النظام الدكتاتوري. لكن قول السيستاني بالانتخابات قديم.  فقد استخدم مصطلح "الانتخاب" في محاضراته عن الاجتهاد والتقليد وولاية الفقيه في عام ١٩٨٦ حيث قال في تلك المحاضرات:"يمكن ان يقال بان المستفاد من بعض الروايات ان يكون الانتخاب دخيلا في المسألة، فلابد ان يكون القاضي منتخبا للمسلمين" مضيفا انه "لابد ان يكون المتصدي لهذه الامور ممثلا للمسلمين"، ثم قال:"حيث ان القسط والعدل العام لايمكن تحقيقه بمباشرة عموم المسلمين فلابد وان يكون ذلك بالتسبيب من المسلمين بانتخابهم شخصا او اشخاصا للتصدي لهذه الامور"، موضحا بان مصطلح "الامام" الوارد في الاحاديث المتعلقة بالموضوع ليس المراد منه الامام بالمعنى الاخص، اي الائمة المعصومون الاثنا عشر، "بل المراد منه الذي انتخبه الناس". ومع انه يقول بالولاية الحسبية للفقيه، الا انه اوضح: "ليست الولاية ثابتة لكل فقيه، بل للفقيه المنتخب من قبل الناس". والانتخاب يعني حق الافراد فردا فردا في اختيار المسؤولين التنفيذيين والتشريعين في الدولة.

واظن ان السيستاني يقصد بالحكومة فرعيها التنفيذي والتشريعي، وهذا يعني ان شرعية الفرعين مرهونة بالشعب.  و ليس هذا التعريف للحكومة غريبا او جديدا، حيث ان الدستور الاميركي يستخدم تعابير الفرع التشريعي والفرع التنفيذي والفرع القضائي في تنظيم شؤون الحكم والحكومة. وقد اشار السيستاني في نصه القديم الى انتخاب القاضي، كما اشار الى ما سماه الولاية التنفيذية، وما يمكن تسميته استطرادا الولاية التشريعية.

وهذا ما اكد عليه السيستاني في نص اخر حيث يقول: "ان احترام ارادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والاداري لبلدهم من خلال اجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق، واليوم تؤكد على ان الاصلاح وإن كان ضرورة حتمية ـ كما جرى الحديث عنه اكثر من مرة ـ الا أن ما يلزم من الاصلاح ويتعين اجراؤه بهذا الصدد موكول أيضاً الى اختيار الشعب العراقي بكل اطيافه والوانه من اقصى البلد الى اقصاه، وليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف اقليمي أو دولي أن يصادر ارادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم."

او قوله في نص اخر: "لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق في ان يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، في انتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك ايماناً منها بانه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد إن اريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الاصيلة ومصالحه العليا." و "ان المشاركة في هذه الانتخابات حق لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية."

ورغم ان الامام السيستاني لم يستخدم كلمة "الديمقراطية" او "النظام الديمقراطي" الا ان المفردات التي عددتها هذه الفقرة تمثل جوهر النظام الديمقراطي او الاليات الديمقراطية. وهي:

١. التعددية السياسية.

٢. التداول السلمي للسلطة

٣. الاحتكام الى صنادق الاقتراع

٤. الانتخابات الدورية الحرة النزيهة.

٥. الحق القانوني في المشاركة في الانتخابات.

وبهذه الافكار وغيرها مما لم تستوعبه هذه المقالة، ارسى الامام السيستاني اسس اقامة الدولة الحضارية الحديثة  في العراق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك