المقالات

بين قوانين الأحزاب ضاع المواطن


 

علي علي ||

 

  لقد ولد الإنسان ومعه توأمه الملاصق له في حله وترحاله، ذلك هو الخلاف والاختلاف، فصار ديدن  كثير منا التعصب بالرأي والتمسك بأفكاره، وعدم الاعتراف بالرأي الآخر ومخالفة فكره ونهجه، فنشأ التكتل والتجمع والتحزب لتنتشر الفكرة ويتضح النهج ويزداد التمسك بهما قوة، والأمر حتى اللحظة سليم ويسير بالاتجاه الصحيح ولاغبار على من يتبعه. ولكن، أن ينشأ التحزب على فكرة مخالفة الآخر لغرض مخالفته ليس إلا، فهذا ما يعود بالفرد والجماعة والمجتمع القهقرى، وينقلب النهوض الى نكوص، والانتصار الى انكسار، والتقدم الى تأخر وتدهور وتدنٍ.

  وهناك حقيقة يقرها كل ذي عقل سليم، ويعدّها بديهة تلازم وجودنا وكياننا أفرادا وجماعات ومجتمعات، تلك هي أهمية النظام والتنظيم في حياتنا بأوجهها ومراحلها كافة، إذ مادامت لابن آدم جوهرة العقل التي ميزه بارئه بها، يكون لزاما عليه تسخيرها في ترتيب مفردات عيشه، ومن الطبيعي أن تتضاعف الحاجة الى عملية التنظيم بتضاعف أعداد الأفراد والجماعات والمجتمعات ايضا. وتبدأ سبل التنظيم الصحيح بالاتفاق والوئام والتلاحم بين الأفراد، لتأتي العملية أكلها وتعم جدواها على المجتمعات بعد ذلك، لذا نظم الإنسان السوي نفسه في مراحل حياته بتزامن مطرد مع تحضره وتكوينه مجتمعات كما نراها اليوم على سطح المعمورة.

  ومع إنشاء الدولة العراقية الحديثة في بداية عشرينيات القرن الماضي، ظهرت الحاجة الماسة الى إقرار قانون الأحزاب السياسية، وقد نظمت الحياة الحزبية في العراق بموجب قوانين صدرت مع بداية تأسيسها، وكانت أحكامها تتفق مع النظرة السياسية والقانونية السائدة في البلاد لكل مرحلة. فكان تنظيم الأحزاب في الفترة الملكية وفق قانون الجمعيات لسنة 1922، وبعد 14 تموز 1958 ومع استمرار تقديم طلبات تأسيس أحزاب سياسية، صدر قانون الجمعيات رقم 1 لسنة 1960.

  ولكن، بعد انقلاب 17تموز سنة 1968، وكأول إجراء اتخذه جلادو تنظيم البعث، تم حظر نشاط الأحزاب السياسية في البلاد، وصار الشيوعي والقومي والإسلامي إما معدوم، او في عداد المحكومين بالاعدام مع وقف التنفيذ، أو يكون قد ذاب في أحواض التيزاب، حيث صدر قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 حاملا في بنوده أحكاما خاصة وقاسية، نص أغلبها على تطبيق حكم الإعدام بحق كل من يمارس نشاطا حزبيا غير حزب البعث. حتى جاء عام 1991 ونتيجة ضغط الرأي العام الدولي، فقد اضطرت سلطة النظام آنذاك إلى إصدار قانون الأحزاب السياسية رقم 30 لسنة 1991 حيث جاء ضمن الأسباب الموجبة لصدور القانون مانصه:

"واستجابة لمتطلبات المرحلة التاريخية الجديدة من حياة العراق العظيم في إتاحة المجال على نطاق أوسع لكل المواطنين الراغبين في خدمة البلاد وتعزيز سيادتها واستقلالها ووحدتها الوطنية…. شرع هذا القانون".

   وبعد إسقاط النظام في نيسان 2003 أمطرت سماء الحرية على العراقيين ما لذ لهم وطاب من القوانين، فانفتح مجال العمل السياسي أمامهم، حيث تم إصدار قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت الذي صور للمواطن أن حاله سيكون بظله (گمره وربيع) فقد صدر أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المرقم 97 لسنة 2004 الذي ظن العراقيون أنه بذرة قانون الأحزاب السياسية، فيما هو في حقيقة الأمر لم يكن إلا لأغراض تنظيم مشاركة الأحزاب والكيانات السياسية في الانتخابات التي جرت سنة 2005 فقط.

  وكما يقول مثلنا: “بعيد اللبن عن وجه مرزوق” فقد كانت التوافقات والوفاق السياسي والتآلف الاجتماعي والمصالحة الوطنية، بعيدة عن القوى الفاعلة في البلد أبعد من زحل عن ساحة الخلاني، فضل هذا القانون يتيما تتناقله رفوف مجلس نوابنا، فتارة يقرأه أعضاء المجلس قراءة أولى، وتارة يرجئونه الى ثانية فثالثة فعاشرة، لانشغالهم بمشادة كلامية بين زيد وعبيد، وتارة تبعدهم عن قراءته (طلابه) بين أحدهم وأحدهم، فقد استخدم أحدهم مداسا قياس/ 37 وصفع به أحدهم، وعلى هذا المنوال.. وبين أحدهم وأحدهم.. تطول الجلسات وتتعدد المداسات بأحجام وقياسات عدة، ويصاغ قانون الأحزاب لصالح الأحزاب نفسها وخدمة مصالحها، ويضيع المواطن بين هذا وذاك كما ضاع الخيط والعصفور

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك