المقالات

كيف؟ (١)


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

كلّما كتبت عن اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق، سألني بعض القراء: كيف؟ وبعض السؤال ينطوي على يأس من امكانية ذلك بسبب بؤس الحال الذي وصلت اليه البلاد بسبب ٣٥ سنة من حكم حزب البعث المتخلف و١٨ سنة من حكم احزاب المحاصصة الفاسد، مع ما يرافق ذلك من ظواهر سلبية في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية تجعل مشروع الدولة الحضارية الحديثة حلما خياليا بعد المنال. كل هذا يجعلني اتجنب الاجابة عن سؤال الكيف، رغم انه يشبه سؤال:"ما العمل؟" الشهير الذي طرحه واجاب عنه زعيم البلاشفة الروس لينين عام ١٩٠١. وكنت اتجنب الخوض في هذا الموضوع، لعدم جدواه اذا لم يتوفر الايمان الكافي بالفكرة لدى عدد معقول من ابناء المجتمع. لكن بعد سنوات من طرح الفكرة، يبدو لي الان ان هذا الشرط متوفر بحده الادنى، وهذا ما شجعني على كتابة هذا المقال.

في مقدمة الجواب، لابد لي ان اقول ان اقامة الدولة الحضارية الحديثة في اي مجتمع هي عملية تغييرية اجتماعية تدريجية طويلة الامد، قد تستغرق سنوات عديدة، وتتطلب صبرا، ويتم تقسيم العمل بين القاعدة والقمة، حيث يقع على القاعدة الدور التمهيدي، ويقع على القمة الدور الاجرائي.

ولما كانت العملية تغييرية فانها تخضع لقوانين التغيير الاجتماعي التاريخية التي ذكر بعضها القران الكريم وبحث فيها الكثير من علماء الاجتماع والتاريخ. ويتعين العمل وفق هذه القوانين من اجل الوصول الى الهدف، ومن هذه القوانين ما يلي:

قانون المحتوى الداخلي في المجتمع، الذي يشير اليه القران الكريم بقوله: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ".

قانون الاقلية المبدعة: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".

قانون العمل:"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ".

قانون التعاون:"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ".

قانون التضحية:"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ".

قانون التمكين:"الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ".

ولا ينبغي التوقف عند المعنى الديني الخاص لهذه الايات فقط، لانها تتحدث عن سنن التاريخ والاجتماع، وينبغي فهمها من خلال هذه الزاوية الواسعة التي تشمل الحركة التاريخية للمجتمعات مهما كانت.

وخلاصة هذه القوانين ان العمل من اجل اقامة الدولة الحضارية الحديثة يجب ان يبدأ من القاعدة اولا حيث تتكون جماعة من الناشطين  المؤمنين بها، وهؤلاء هم المواطنون الفعالون، الذين يأخذون بنشر الفكرة بين الناس من اجل ان تتحول الى قضية عامة يتبناها الجمهور ويطالب بها وقد يسعى اليها. وكما بينت في العديد من المنشورات ان العمود الفقري في الدولة الحضارية الحديثة هي منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، وبالتالي فان على هؤلاء الناشطين دعوة الناس الى هذه القيم والى الالتزام بها، وتجسيدها في حياتهم العملية وعلاقاتهم اليومية، الى ان تصبح فكرة القيم ثقافة مجتمعية سائدة  يؤمن بها ويدعو اليها عدد كبير من الناس، كل في موقعه ومكانه. الطالب في المدرسة، والموظف في الدائرة، والاعلامي في وسيلة الاعلام، ورجل الاعمال في الاقتصاد، ورجل الدين في المنبر، والكاتب في مقالاته، والمدونون في وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا. وسوف يؤدي هذا العمل بعد فترةٍ لا ازعم انها قصيرة الى تغيير مساحة مهمة في المحتوى الداخلي للمجتمع. واقصد بالمحتوى الداخلي الصورة المسقبلية للدولة الحضارية الحديثة التي يؤمن بها الناس.

يتبع

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك