المقالات

نحو مصالحة سياسية عراقية (الحلقة الثالثة)

1254 21:51:00 2008-03-29

( بقلم : مازن الياسري )

التحرك في سبيل إحقاق المصالحة ، أو بعبارة أخرى الآلية التي اختارتها الحكومة العراقية لتحقيق المصالحة الوطنية كانت عقد مؤتمرات موسعة وقطاعية .. تخاطب شرائح الشعب العراقي المختلفة كالعشائر و الساسة و القائمين على منظمات المجتمع المدني ورجال الدين .. الخ .. المؤتمرات المقترحة كان الهدف منها تعميق فكر وثقافة الحوار و المصالحة من جهة و الخروج بمواثيق شرف لحقن الدم العراقي ونبذ العنف وولوج العملية السياسية العراقية الجارية من جهة أخرى .

أول هذه المؤتمرات الرسمية .. كان مؤتمر العشائر العراقية المنعقد في بغداد في آب (أغسطس) 2006 و الذي حضره أكثر من 600 شيخ عشيرة يمثلون عشائرهم الممتدة على الأرض العراقية .. مع الأخذ بنظر الاعتبار إن القيم العشائرية لازالت مهيمنة على مفصل مهم من الواقع الاجتماعي العراقي .المؤتمر خلص بميثاق شرف عشائري ، وبتقارب ايجابي حققته الحكومة العراقية مع الكثير من شيوخ العشائر التي بقيت ولفترات طويلة بعيداً عن العملية السياسية إن لم تكن معادية لها .. نتائج المؤتمر كانت ايجابية ولكنها لم تكن حاسمة .. وقد تلا هذا المؤتمر عقد مؤتمر للمصالحة الوطنية لمنظمات المجتمع المدني ولوزارة المرأة العراقية وللجهات الإعلامية العراقية .. وكانت محاورها كما السابق الدعوة لخلق وإنعاش ثقافة للحوار و أرضية ايجابية للمصالحة .. وتحقيق اكبر قدر من أجواء التقارب .. كما لخلق مواثيق شرف قطاعية نحو اللا عنف والإيمان بالتداول السلمي للسلطة وغيرها .

المؤتمرات المنعقدة في تلك المرحلة على الرغم من جدية أطروحاتها نسبياً إلا إنها كانت موجهه للإعلام أكثر من توجهها نحو تحقيق انجازات سريعة و مؤثرة .. وهذا بطبيعة الحال بسبب حداثة مفهوم المصالحة من جانب و صعوبة الواقع السياسي و الأمني الذي كان يمر بالعراق آنذاك من جانب آخر .. وخاصة مع وصول ظواهر العنف الطائفي و التهجير القسري لمراحل متقدمة وخطيرة كادت أن تصل بالبلاد لحرب أهلية مخيفة .الإرهاب الذي ساد البلاد منذ العام 2003 التف بعباءة إسلامية جهادية ، رغبة في منح الشرعية و لجر أكثر عدد ممكن من المغرر بهم تحت قدسية الدين .. هذا الواقع ، دفع الحكومة العراقية بالتنسيق مع منظمة العالم الإسلامي ومجموعة من علماء الشيعة و السنة .. لعقد مؤتمر أو لقاء علمائي شيعي سني وفي مكة المكرمة قرب بيت الله الحرام ليعلنوا فيه فتوائياً (حرمة الدم العراقي ) وهذا ما عرف فيما بعد (بوثيقة مكة) الموقعة في 20 تشرين الأول 2006 .. إن وثيقة مكة لم تنجح إلا برفع الشرعية عن الإرهاب .. لإقرارها إن علماء المذهبين لا يفتون بإباحة الدم العراقي أو بالعمليات الإرهابية التي تعم البلاد بأسم الدين ، وإقرارهم بأخوة الشيعة و السنة تحت قبة الإسلام .. لكنهم لم يصلوا إلى تكفيرهم للإرهاب مما قلل من نجاح وثيقتهم التي عول عليها الشارع العراقي كثيراً .

كان هنالك رأي وقناعة حكومية وسياسية عراقية تقول (إن الخلاف العراقي الحالي .. هو خلاف سياسي) أي إن مجمل التحديات التي تعيشها البلاد ورغم تنوعها إلا إن أصلها الفعلي سياسي ، وبالتالي إذا عرف أصل الداء سهل اختيار الدواء . مع تطور الأزمة العراقية الأمنية خاصتاً ، ازداد البحث عن الحلول .. ومن جانب آخر ازدادت القناعات بأن أصل الخلاف سياسي وبالتالي لابد من إيجاد حلول سياسية مهمة .. اقتراح عقد مؤتمر للقوى السياسية العراقية كان قد ظهر منذ أوائل تشرين الأول (أكتوبر) إلا إن سرعة المتغيرات على الساحة العراقية ساهمت في تأخير انعقاد المؤتمر ، كما إن الرغبة في احتواء اكبر كم من الكيانات و الشخصيات السياسية ساهم في التأخر ايضاً .. كما إن المؤتمر قبيل انعقاده واجه تحدي كبير وخطير .. وهو سعي عدة جهات تصنف بأنها ضمن حلقات سلسلة الخلاف العراقي بالرغبة للحيلولة دون انعقاد مؤتمر المصالحة للقوى السياسية العراقية ، وعلى رأس هذه القوى كان هيئة علماء المسلمين و رئيس جبهة التوافق العراقية عدنان الدليمي وآخرون .. فعند إعلان الموعد المحدد لعقد المؤتمر في السادس عشر من كانون الأول 2006 .. سارعت مجموعة من القوى المعارضة للمؤتمر وعلى رئسها هيئة علماء المسلمين ورئيس جبهة التوافق المذكورين أعلاه لعقد مؤتمر في اسطنبول بتاريخ الرابع عشر من كانون الأول أي قبل يومين وتحت مسمى مؤتمر نصرة العراق .. وبأطروحات شديدة العدائية و التحريض للعملية السياسية الجارية في البلاد و للجهود نحو خلق وإنضاج مصالحة وطنية .المهم إن المؤتمر عقد في موعده وبحضور رسمي وسياسي غير مسبوق .. وجرى تشكيل أربعة لجان لتدارس أهم تحديات الواقع السياسي العراقي نحو الخروج بتوصيات لتدعيم الواقع السياسي في البلاد .. وقد تدارست اللجان عدة قضايا كالمشاركة السياسية و التوازنات الوطنية و التعديلات الدستورية و ملفات المليشيات وضباط الجيش العراقي السابق وقضية الفيدرالية و الأقاليم .. وقضايا أخرى ، وقد قدمت اللجان المشكلة جملة من التوصيات تم تصنيفها بين ما هو تشريعي وما هو تنفيذي ، وتم توزيعها وفق الاختصاصات إلى مجلس النواب بكونه يمثل السلطة التشريعية في البلاد ومجلس الوزراء بكونه يمثل السلطة التنفيذية بالبلاد .لعل ابرز مقومات نجاح هذا المؤتمر هو عدم إنهاء أعماله ببيان ختامي إعلامي .. بل بتوصيات قدمت للحكومة للعمل بها .. كما إن المؤتمر عزز من مفهوم مهم آنذاك وهو النزعة لدى كيانات وشخصيات العراق السياسية للعمل وفق العملية السياسية الجارية وليس من منطلق آخر .

وعلى الرغم من عدم مشاركة بعض الأطراف المفصلية في المعادلة السياسية العراقية كالقائمة العراقية الوطنية و التيار الصدري اللذان انسحبا من المؤتمر وهيئة علماء المسلمين التي لم تشارك في المؤتمر .. إلا إن المؤتمر حقق نجاحاً اعلامياً وسياسياً ، وساهم في تقريب العديد من وجهات النظر .. وساهم في طرح الحلول و البدائل و الأفكار للعديد من العقبات التي كانت مواجهة للتطور السياسي في البلاد .. ولعل ابرز نقاط النجاح انعكست في الدعوات العديدة الأطراف التي انطلقت بعيد ختام المؤتمر والداعية لعقد مؤتمرات مصالحة أخرى .. بل إن الأمر تطور بتقدم بعض الدول الإقليمية و المجاورة بالدعوة لعقد مؤتمرات تكميلية لمؤتمر القوى السياسية للمصالحة .. مما حذا بالقائمين الرسمين على الملف بتوجيه بيان حمل توقيع وزير الحوار الوطني العراقي أكرم الحكيم دعا فيه لعدم قبول اقتراح أي مساعي أو مؤتمرات للمصالحة دون أن تخاطب الجهات الرسمية ابتدائاُ وفق القنوات الرسمية لمشروع المصالحة الوطنية وهي رئيس الوزراء وهيئة المصالحة ووزارة الحوار الوطني .

بلا شك إن مرحلة المؤتمر الأول للقوى السياسية العراقية للمصالحة الوطنية .. كانت من أخصب المراحل التي تبنى فيها مختلف الطيف العراقي (المصالحة) كآلية متفق عليها للتغير ولإخراج البلاد من عنق زجاجة التحديات .. أو بعبارة أخرى ، أصبح هناك قناعة ان المصالحة هي خير وسيلة لإيصال العراق الى شاطئ الأمان .. مع الأخذ بنظر الاعتبار ان المؤتمر عقد في أحلك الأوقات التي مرت بها العراق الجديد امنياً وسياسياً .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك