المقالات

ترامب يغادر تاركاً أرضاً مزروعة بالألغام


 

عباس سرحان ||

 

تسبب الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بالكثير من المشاكل والازمات على الصعيد الدولي وارتكبت امريكا في عهده جرائم عديدة لعل من ابرزها اغتيال شخصيات مهمة في ايران والعراق ومحاربة شعوب سورية وايران واليمن بعقوبات ظالمة تسببت بزيادة معاناة مواطني هذه الدول.

وقد مثل ترامب ظاهرة يمكن وصفها بالـ"ترامبية" كرست الخلافات والجدل والانقسامات دوليا ومحليا، فقد أظهر وجها قبيحا في العلاقات الدولية افتقر الى ابسط قواعد اللياقة والدبلوماسية ولعب دور قاطع الطريق او اللص الذي يرهب ضحاياه من اجل الحصول على المال.

فترامب اجبر الدول الخليجية على دفع نحو 500 مليار دولار لامريكا من اجل مساعدتها على تخطي مصاعبها الاقتصادية، بعد أن أهان حكّامها ووصفهم بأسوأ الاوصاف وعيّرهم بأنهم بدون الحماية الامريكية سيفقدون اشياء (ثمينة) إلى جانب فقدانهم الأمن.

وحارب الصين اقتصاديا وفرض عقوبات على ابرز شركاتها وزاد من الضرائب المفروضة على بضائعها المصدرة للولايات المتحدة.

 كما اجبر كوريا الجنوبية على زيادة النفقات التي تقدمها لعدة الاف من الجنود الامريكان المنتشرين على اراضيها الى( 816 مليون يورو) بزيادة وصلت الى 9% على ما كانت تدفعه كوريا الى امريكا سابقا، وفعل الامر نفسه مع المانيا، وانسحب من منظمة الصحة العالمية ورفض دفع المساهمة الامريكية السنوية لهذه المنظمة المهمة.

وعلى الصعيد الداخلي أظهر ترامب وجها عنصريا كما لم يره الامريكيون من قبل لدى اسلافه من الرؤساء الامريكان، وتصدى لمواطنيه من ذوي الاصول الافريقية والآسيوية وضيّق على المهاجرين واعاد كثيرين منهم الى بلدانهم.

هذه بعض ملامح ترامب العنصرية والفوقية التي شكلت ظاهرة في المجتمع الامريكي واخذت مدى متزايدا في تعميق الانقسامات داخل الولايات المتحدة خصوصا وانه وجد مناصرين كثيرين لتوجهاته العنصرية الفجة.

ولكن ما هي الانعكاسات التي ستخلفها الممارسات الترامبية على صعيد الداخل الامريكي وعلى الصعيد الدولي حتى بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض؟.

لاشك في ان امريكا تعيش أسوأ حالاتها حاليا وستعاني من مخلفات حكم ترامب لفترة لاحقة، هذا ما يستشرفه مسؤولون امريكيون وليس قولا عابرا، فالقائد السابق للعمليات الأميركية الخاصة ستانلي ماكريستال قال إن "انصار ترامب ذكروني بعناصر تنظيم القاعدة في العراق وسيتحولون لحركة متطرفة احترافية" اذن هناك خشية حقيقية في امريكا من تحول انفاس ترامب العنصرية الى حركة جماهيرية واسعة تجتاح ولايات عديدة وتؤدي الى انقسامات حادة من المرجح انها تتسبب بتفكك الولايات الامريكية على المدى المنظور.

وبدا ذلك واضحا في معضلة التنصيب التي عانت منها امريكا بسبب التهديدات المسلحة التي اطلقها مناصرو ترامب ولم يكن بوسع قوى الامن الا ان تتعامل مع تلك التهديدات بجدية، لاسيما وهي قد جاءت بعد ان اقتحم انصار ترامب الكونغرس وعطلوا جلسته الخاصة باعلان نتائج الانتخابات.

معلوم أن الولايات المتحدة بلد يبيع الاسلحة في الاسواق ويتيح لمواطنيه اقتناءها وحملها، وقد بيع لغاية شهر تشرين الثاني الماضي نحو 17 مليون قطعة سلاح استجابة لمشاعر الكراهية التي رافقت الحملة الانتخابية، ومن المرجح ان هذا الرقم ازداد كثيرا في الفترة التي تلت هذا التاريخ بعدما أثير من جدل حول صدقية نتائج الانتخابات.

هذا الكم الكبير من السلاح يجعل الولايات الامريكية تعيش على برميل من البارود من الممكن ان ينفجر في اية لحظة وتتحول الاحتجاجات السلمية فيها الى صدامات مسلحة بدوافع سياسية او عنصرية طالما ان الانقسامات خلفت شرخا عميقا في المجتمع الامريكي.

أما على الصعيد الدولي فالظاهرة الترامبية أدت إلى انكشاف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة التي سوّقت نفسها على مدى سنوات طويلة على انها الديمقراطية العظمى في العالم، وأنها تحترم حقوق الانسان وحرية التعبير والانتقال السلمي للسلطة.

طبعا لا يخفى أن امريكا كانت عامل اثارة وتخريب كبير في العلاقات الدولية دائما وتسببت في الكثير من الحروب، وادارت الكثير من الازمات ودعمت الفوضى، لكنها تلحّفت باستمرار بالحرص على حقوق الانسان وحماية الشعوب.

وبعد ما جرى فيها بسبب سياسات ترامب الصادمة لم تعد امريكا تحظى بذات القيمة الاعتبارية الدولية وساءت علاقاتها مع معظم دول العالم، وحتى حلفائها الصغار فقدوا الثقة بها وبقدرتها على لعب دور مؤثر على الصعيد الدولي.

ولكن أكبر تحد يواجه أمريكا على الصعيد الخارجي بعد مرحلة ترامب هو تلاشي دورها عالميا بعد أن مثلت منتهى الدونية الاخلاقية في التعامل مع قضايا دولية هامة، فالقوة بلا أخلاق تفقد شرعيتها وتأثيرها وإن كانت باطشة. وهذا ما سيؤدي الى صعود قوى المحور الشرقي المتمثلة بروسيا والصين وايران لأنها مثلت منتهى الانضباط والانسانية في التعامل مع القضايا الدولية.

 فبينما عبثت امريكا وحلفاؤها بأمن العديد من دول العالم سارعت الصين وروسيا وايران الى نجدة ضحايا امريكا وقدمت لهم العون حتى في ظل جائحة كورونا الى جعلت مواطني اغنى دول العالم يتصارعون من اجل كمامة او قطعة بسكويت، كانت دول المحور الشرقي تقدم مساعدات طبية مجانية لدول اخرى.

سيكون من الصعب على من يخلف ترامب ترميم كل هذا الكم الهائل من الخراب الذي خلفه بعده، وأمريكا التي تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية داخليا لن تكون جديرة بلعب دور أكبر مستقبلا.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك