المقالات

قطع الطريق على الاستبداد


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

يحق لي، وقد جاوزت السبعين من العمر، ان افخر باني قارعت الاستبداد في العراق منذ تبلور ثقافتي السياسية: الاسلامية-الديمقراطية-الحضارية. وكانت ابرز حلقات المنازلة ضد الاستبداد مع حزب البعث ونظامه الدكتاتوري منذ عام ١٩٦٨ الى العام ٢٠٠٣، وكنت من الذين لم ينجرفوا مع الاعلام البعثي وهو يصنّع عبادة الشخصية لصدام حسين الذي تم تعميده "قائد الضرورة" لدولة البعث في العراق استنساخا لتأليه هتلر في المانيا، وستالين في الاتحاد السوفييتي، وكيم ايل سونغ في كوريا الشمالية. ومع انني كنت في بداية تشكّل ثقافتي السياسية مؤمنا بفكرة الدولة الاسلامية، الا انني اعلنت منذ شباط عام ١٩٩٠ ان الديمقراطية اولا، لانه ليس بالامكان اقامة دولة اسلامية في مجتمع غير ديمقراطي.  ومنذ عام ٢٠١٦ اكتشفت ان الديمقراطية ماهي الا احدى مقومات فكرة اوسع هي الدولة الحضارية الحديثة. وجعلت فكرة الدولة الحضارية اساسا ومقياسا في تفكيري السياسي ومنطلقا للحكم على الممارسات والمواقف والاجراءات المتخذة، فما كان موافقا وممهدا لفكرة الدولة الحضارية الحديثة دعمته وايدته ووقفت الى جانبه، وما كان مخالفا ومقوضا ومعيقا لتطور المجتمع نحو الدولة الحضارية الحديثة، عارضته ووقفت بالضد منه. وقبلها لم اتقبل فكرة الولاية الثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكي لاني كنت اخشى ان يتحول الى مستبد في الولاية الثالثة.

قبيل سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي كتبت عن اسس اعادة بناء الدولة العراقية بعد صدام، وكانت الديمقراطية في مقدمة هذه الاسس، رغم معارضة بعض الاسلاميين لذلك الذين اتهموني بالانحراف الفكري. لكن حواراتي السابقة مع كل من الامامين الراحلين السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين اقنعتني بانني كنت على صواب فيما يتعلق بالديمقراطية. لكن تجربة الاعوام ٢٠٠٣-٢٠١٩ لم تكن مفرحة. فلم تتمكن الطبقة السياسية الجديدة المؤلفة من احزاب فئوية من بناء دولة ديمقراطية، بل تدرجت الحالة من ديمقراطية ناشئة قابلة للارتداد، الى ديمقراطية معيوبة، الى سلطة اوليجارشية (حكم عدد قليل من الرجال). وكان ذلك بسبب تبني الطبقة السياسية لنظام المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، وهو من ابرز عيوب التأسيس. وقد تحدثت عن مساويء المحاصصة في وقت مبكر جدا، ولم يتفاعل الجمهور في وقتها مع كتاباتي بالدرجة الى تمنع الانحراف عن الديمقراطية.

حينما تولى مصطفى الكاظمي منصب رئاسة مجلس الوزراء كنت امني النفس بان تاخذ الدولة العراقية طريقا اصلاحيا جديدا، على يد الثنائي مصطفى الكاظمي-برهم صالح، لكن بعد فترة وجيزة اتضح ان امنيتي لم تكن في محلها، وان ممارسات الحاكم الجديد تكشف ميلا واضحا نحو بناء سلطة الفرد الواحد. وكان من علامات ذلك المبكرة الخطاب الشعبوي الذي اعتمده في خطاباته ومؤتمراته الصحفية، وتوتره الواضح من وسائل الاعلام (الامر الذي يمكن مقارنته بترامب)، ورفضه بل خوفه من النقد، وحديثه المتكرر عن ذاته الى حد وصف نفسه بانه "الشهيد الحي"، وتركيزه على الصورة في بناء الانطباع العام عنه، هذا فضلا عن قصوره الذاتي في الثقافة والمعرفة والتخصص الاكاديمي والنطق وغير ذلك. لهذا سارعت الى الكتابة عن ذلك في صحيفة "الصباح" قبل منعي منها، وبدأت بتوجيه النقد الواضح والصريح الى الكاظمي وحكومته واجراءاته، ولم يكن ذلك لخصومة شخصية، وانما محاولة لقطع الطريق على اية محاولة مقصودة او غير مقصودة لصناعة مستبد جديد.

انني باختصار ارفض الاستبداد، وارفض كل مقدماته، واخشى ان يكون اختيار الكاظمي لرئاسة الحكومة مقدمة لصناعة مستبد جديد، ليس بالضرورة على مقاس صدام حسين، لكنه ليس على مقاسات الحاكم الديمقراطي في دولة حضارية حديثة. وهذا خطر ينبغي على صناع الرأي في العراق ان يتصدوا لقطع الطريق على استفحاله وتمكنه من رقاب العراقيين.

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك