المقالات

الاقليات وتنوعها الثقافي..تبني وطن وحضارة


 

عامر جاسم العيداني ||

 

ان الاقليات في معظم البلدان تشكل مزيجا من الثقافات التي تساهم في تأسيس حضارة متميزة تتنافس فيما بينها على تقديم أفضل ما عندها من سلوك إنساني لتظهر بمظهرها الحسن وخصوصا في احترام الآخر وبالتالي يؤدي إلى استقرار البيئة المتنوعة التي تعيش فيها وتخلق تجانسا اجتماعيا وينعكس ذلك على الأمن و السياسة والاقتصاد ويؤدي إلى تطور بلدانها حضاريا .

وهنا يجب على الجميع تجنب الخلافات وعدم نشر ثقافة العداء عند بروز أي مشكلة او اختلاف بسيط ويمكن أن يعمل أهل الحل والعقد على انهائها بكل الطرق والوسائل السلمية ومنها الحوار وقبرها في مهدها.

ويتطلب من الحكومات ان تضع في الدساتير مواد تحفظ حقوق جميع الاقليات منها حرية التعلم والاعتقاد ، وأن يكون لهم دور في سياسة وحكم البلد حتى لا يشعرون بأنهم خارج الإطار الاجتماعي الذي يشكله البلد من عدة أقليات وتشجيع الأغلبية على التعامل بالمواطنة وليس على اساس العرق والدين .

ان الاقليات تتميز بوجود أيديولوجيات خاصة بها ولها سياسات في التعامل داخل إطارها وتتبنى ثقافات متعددة وان هذا التنوع فيه اختلاف واسع، تتراوح مابين الدعوة إلى احترام متساوي لجميع الثقافات المختلفة في المجتمع، وإلى سياسة التشجيع للحفاظ على التنوع الثقافي، بحيث تصل إلى السياسات والسلطات التي تخاطب الناس ذوي الجماعات العرقية والدينية المختلفة كما هو محدد من قبل المجموعة التي ينتمون إليه.

ان التفاعل الثقافي بين الاقليات رغم اختلاف الايديولوجيات بينها يعتبر ضرورة ملحة من اجل الاندماج المجتمعي ، رغم الانغماس لبعض الاقليات في العمل على الحفاظ على خصوصيتها والابتعاد عن هذا التفاعل والذي يعتبر انغلاقا قد يؤثر على النسيج المجتمعي وتظهر فيه مشاكل تصل إلى حد العداء ، ولكن على المجتمع والسلطة محاولة بذل الجهود في التفاعل الثقافي للوصول إلى مجتمع متجانس على الأقل في احترام خصوصية كل أقلية والتعامل فيما بينها في المشتركات وترك الاختلافات .

يتميز العراق بتنوع الاقليات الاثنية والقومية التي عاشت مع بعضها البعض ومع الأكثرية منذ زمن طويل وبنت حضارة العراق منذ اكثر من سبعة آلاف سنة ، ولم تكن بينها اية اختلافات او خلافات على المستوى المجتمعي والثقافي حيث كانت تعمل في سياق احترام الآخر والتفاعل فيما بينها في المناسبات المختلفة رغم خصوصية كل منها ولم تظهر على السطح اية مشكلة أدت إلى نزاع إلا في القرن العشرين حيث برزت نتيجة السياسات الاستعمارية التي دخلت محتلة للعراق فعملت بمبدأ فرق تسد فتشكلت قوى مسلحة حاربت لفترة طويلة رغبة منها في الاستقلال وكانت ذات طابع قومي بالإضافة إلى ظهور منظومة حكومية تعتمد على طائفة محددة وهمشت الأكثرية والأقليات وتعاملت معهم بقسوة وحكم دكتاتوري مقيت ادى الى حدوث فجوة كبيرة بين فئات المجتمع وكانت الاقليات القومية والاثنية قد أصابها الكثير من الاضطهاد وصل حد التهجير والغاء الجنسية وسلب الحقوق .

أما بعد عام ٢٠٠٣ ادى الاحتلال وتغيير النظام إلى ظهور جماعات مسلحة عملت على قتل الذي يختلف معها وزرعت الفتنة بين أبناء الشعب العراقي وأدت إلى حروب ودمار وقتل وتهجير ، ولكن تدخل العقلاء من قبل كافة الأطراف اوقف هذه الظاهرة وبدأت تنحسر بشكل بطئ .

وهنا يتطلب من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والزعامات السياسية والدينية ان تعمل بقوة على إعادة تجانس المجتمع العراقي وإعطاء الطمأنينة للاقليات ودمجها من جديد على اساس المواطنة واحترام الآخرين وتوفير فرص العمل المتساوية وتبوأ المناصب من اجل خلق ثقة عامة بين أفراد المجتمع العراقي .

ويبرز دور الإعلام في منع نشر خطابات الكراهية بين الاقليات ، والتوعية للتعامل فيما بينها بالمشتركات وزرع روح المواطنة والتآخي ومطالبة الحكومة على سن قوانين تحاسب من يطلق هذه الخطابات من قبل بعض الفئات من ذوي النفوس الضعيفة او المجندة من قبل دول لها مصالح في خلق الفوضى داخل المجتمعات وإضعاف كيان الدولة بإشغالها بصراعات داخلية ، بالإضافة إلى بث روح التعايش السلمي بين الأقليات .

ان الاقليات تلعب دورا كبيرا في بناء المجتمعات وتطورها حضاريا ، وتساهم بشكل كبير في بناء اقتصاديات البلد وايضا تتميز بثقافة متوارثة من آلاف السنين في العراق كونها تحمل إرثا تاريخيا ولم يؤثر فيها تغيرات أنظمة الحكم وحافظت عليها إلى يومنا هذا ، ويترتب علينا كمثقفين ان نعمل على إعادة التقارب فيما بينها والاكثرية من اجل حفظ البنيان الوطني وإعادة الاستقرار المجتمعي .

ــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك