المقالات

عيب القوم...


 

علي علي ||

 

  يقال أن من لبس السواد سبى العباد.. وفي تراثنا كثير من الأشعار يتغزل ناظمها بما يشير الى اللون الأسود.. كالعباءة والشعر والعيون، ففيها يزهو اللون الأسود جمالا وتأنقا وسحرا. مقابل هذا هناك من يتطير من هذا اللون، فهو دليل الحزن والهم والنكد.

 الغراب.. طائر بلون الليل الحالك.. ذكره الكتاب فيما يكتبون والشعراء فيما ينظمون، حتى غدا محل شؤم يتطير منه كثير من الناس، ومما يحضر ذاكرتي الشطر الأول من بيت قاله الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة قال فيه:

 

 إذا كان الغراب دليل قوم...

 

ومن المفارقة اللطيفة أن الشعراء وجمهور العوام راحوا ينظمون الشطر الثاني من البيت، كل وفق مايراه في مخيلته وحسب تراكمات مامر به من ظروف حياته، وفي حقيقة الأمر كان الصواب والتصويب ملازما لهم جميعا، وسأذكر مانظموه في التالي من سطوري.. قال الأول:

 

إذا كان الغراب دليل قوم

 

            سيدلهم الى دار الخراب

 

وفي الرئيس الأسبق صدام حسين تجسيد لهذا البيت، فهو غني عن التعريف بنهجه وخططه وسياساته المتبعة، والتي أفضت الى خراب البلد شيئا فشيئا، إذ لم يسلم من قمعه المثقف والطالب والعامل والفلاح وربة البيت وحتى الطفل. وكم دعت أم ربها، وهز أب (شبابيچ) آل البيت طالبا شفاعتهم عند الله للخلاص منه، والإبقاء على أولادهم في مأمن من شرره المتطاير، وشروره التي لاتبقي ولاتذر. وقال الثاني:

 

إذا كان الغراب دليل قوم

 

            يمر بهم على جيف الكلاب

 

وهذا ماحصل فعلا على طول الطريق الذي سيّر فيه البعثيون العراقيين، إذ مامن طريق شائك موحل وعر.. إلا أقحموهم فيه. وقال الثالث:

 

إذا كان الغراب دليل قوم

 

            فلا فلحوا ولا فلح الغراب

 

وهو عين ماحدث لرأس النظام آنذاك، وكذلك البلد، فقد نأى الفلاح والصلاح عنهما طيلة حكمه وتسلطه على العراق. وكم حمدنا الله وشكرناه في نيسان 2003 يوم تحقق الأمل ولبي الدعاء وزال شر النظام وسقط الصنم، فكانت الحرية التي دخلت بلدنا في ذاك العام، دخولا لم يكن بمخيلة أحدنا انه سيكون بهذه السرعة والكيفية. وكما للأمر إيجابيات كانت له سلبيات رافقته بقصد مدروس من أشخاص ومنظمات، كانت لها أصول من ذاك النظام الذي خلنا أننا ودعناه عشية 9 نيسان 2003. وتغيرت الصورة حينها عن ماهية التحرير ولذة الاستمتاع بطعمه، لاسيما وقد شابته مع الاحتلال شوائب كثيرة، صفقت لها جهات مغرضة ودول غذتها بما يزيد الطين بلة، ويزيد النار إضراما واتقادا. وكانت الرؤوس المحشوة حقدا وغلا خير سلاح لها، تدسها بين الحين والآخر، وتحت ذريعة وأخرى، فكانت تحشد ماتمكنت من الأجساد العفنة المغسولة أدمغتها، لتنفيذ أجنداتها في تفجير كل مايمت بصلة الى كلمة العراق، فالشارع العراقي كان هدفها.. والمواطن العراقي كان مقصدها.. والمنشآت العراقية كانت غايتها، وبالتالي تصب كل هذه المعطيات في الهدف الأكبر وهو إلغاء دور العراق كبلد وشعب في المنطقة بل والعالم كذلك، وكأنها بهذا تكمل مابدأه نظام البعث منذ الثامن من شباط الغرابي، امتدادا بتسنم صدام موقع الصدارة في توليه الحكم.

  اليوم وقد مرت سبع عشرة سنة على "الانقشاع المفترض" لسحب البعث السوداء من سماء العراق.. ومن الفترض أيضا ان غربان الشر تنقشع معها، إلا أن واقع الحال يعكس غير هذا، وأراني مجبرا على إكمال بيت لبيد بن ربيعة بما أراه جليا وواضحا في الساحة العراقية فأقول:

 

 إذا كان الغراب دليل قوم

 

            فعيب القوم لا عَيْبُ الغُرَابِ

ــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك