المقالات

شعارات سياسية بين النظرية والتطبيق  


 

محمد الكعبي||

 

 الحرية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، المساواة ، الحقوق، السلم الاهلي، التعايش، انتخابات نزيهة والتداول السلمي للسلطة وغيرها من الكلمات والشعارات التي نسمعها في المحافل السياسية والاجتماعية ومن خلال الاعلام والذي ينبهر منه العقل وتنشد نحوه الاذهان وتحلق الانفس فوق السحاب، لأنه ينسجم مع  فطرة الانسان.

 لكن عند متابعة الكثير ممن يرفع تلك الشعارات ويصدح بها نجده لا يلتزم بها، وافعاله تخالف المُدّعى، شعارات رنانة وخطابات نارية أمام الجماهير لكسب ودّهم وضمان ولائهم،  فبمجرد الاختلاف في وجهات النظر يؤدي إلى التكفير والقتل والاقصاء والتخوين وهو منهج اغلب التيارات والاحزاب السياسية، بل البعض أصبح القتل  والخطف والترويع جزء من ثقافته،  وما نراه اليوم من تقاتل وتناحر وتسقيط بين الفرقاء السياسيين الا نتيجة لتلك المفاهيم الغير حقيقية بعقلية رافعيها لانهم كذابون منافقون{ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} . الاختلاف والتباين في الرأي والافكار حالة طبيعية بين الناس، والله سبحانه جعل من وظائف الانبياء الحكم بين الناس عند اختلافهم {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ....}، الاختلاف موجود وواقع ليمكن  نكرانه، لكن منهج تهذيب الاختلاف هو {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...} هذا هو الاسلام  الذي يريد اصلاح المجتمع بالحكمة  والنصح، ليس بحكر العقول، وتحجيم الآراء، واقصاء الافكار، وتكميم الافواه، بل الاختلاف يعالج بالفكرة والكلمة والقول والحجة وليس بالتهريج والتخوين والقتل، والا لو كانت الرصاصة بديل الكلمة فهذا هو الظلم العظيم حيث الآلية مختلفة والطريق متباين فلا يوجد بيننا مساحة نقف عليها لأن الادوات مختلفة والمقدمات خاطئة (والنتيجة تتبع اخس المقدمات).

لابد من النضج المفاهيمي والفكري ومحاسبة الانفس المريضة والجلوس مع  ذواتنا ونحاسبها على كل الاخطاء ونفهم  العلة التي اوصلت البلد إلى الهاوية ونسعى لمعالجتها، ينبغي ترك الرياء والنفاق والازدواجية والاستقواء السياسي، والبحث عن نقاط ضعف الاخرين، والاعتماد على سذاجة  البعض من الاتباع لتحقيق مكاسب حزبية أو جهويه  ضيقة تدل على قصر وضيق أفق المتصدي لها والذي جعل من نفسه حاكما وقائدا على الجماهير وهو يحتاج إلى من يقوده ويرشده إلى الطريق الصحيح.    

  نحتاج إلى برمجة وبلورة  افكارنا وتطويرها وتنميتها وفق منهج صحيح وطريقة علمية واعادة صياغتها بشكل ينسجم مع الشعارات ونعي تلك المفاهيم حقيقةً ونطبقها واقعاً لكي نستطيع أن نتعايش معاً ونتقدم سويةً، علينا تقبل الاخر بكل ما فيه، لأن الفكرة والرأي الذي اعتقد به ليس بالضرورة  ان يوافق الاخرين، فلابد من ايجاد مساحة تجمعنا نتحاور فيها ونتفاهم واذا لم نتفق فنبقى اخوان أو نظراء.

 عالم التصارع والتزاحم اليوم يكشف حقيقة الناس، حيث الاختلاف عند البعض يعني الموت، بل يتعدى إلى الحرمات والاعراض، والكثير يؤمن بنظرية (ان لم تكن معي فانت عدوي) وهذه هي الطامة الكبرى التي جعلتنا آخر الشعوب والاكثر تخلفاً، و كثيراً من الكتل السياسية ورجالاتها تدّعي حرية الرأي واحترام الاخر والتداول السلمي للسلطة و لكن في الحقيقة  تمارس خلاف ما تدعي، بل تعتقد انها الافضل والاشرف والاقدس، وتسمح لنفسها بالتزوير والغش والتحايل على القانون والكذب ومصادرة حرية الاخرين وفرض آرائها ومعتقداتها بالقهر والجبر، وتقتل مخالفيها وتنكّل بهم.

 كثير من السياسيين يعتقدون انهم فقط من لهم حق الحياة والقيادة اما الاخرين فعبيد وتُبّع لهم ولعوائلهم، وكثير من قادة اليوم يعيش عقد الماضي وارهاصاته  التي بانت آثارها عليهم، حتى بات البعض أسير للماضي لا يستطيع ان يتخلص منه وهذا نتيجة الحرمان والحقارة والدونية والتملق التي عاشوها سابقا، فضلا عن القبلية والفئوية والبداوة مما جعلهم يعيشون بعقلية مريضة من قبيل حب السيطرة والاستبداد والتحكم والاستقواء على الاخرين، وما محاولة الظهور المتكرر الكثير أمام الاعلام والاكثار من الخطابات والمؤتمرات والندوات الفارغة التي ليس فيها نتيجة ترجى بل وخالية من كل هدف,  مجرد صرف أموال وشغل مساحة من الاعلام الا نتيجة لتلك المقدمات،  فضلا أن بعض الشخصيات والاحزاب تعيش أزمة ثقة  لأنها تشعر بالنقص ، وعدم تقبل الاخر أصبح حالة طبيعية عند بعض الكيانات السياسية بل حتى الاجتماعية ، والنتيجة هي الفشل والاخفاق والتراجع على جميع المستويات والامور تسير نحو الاسوأ، وهذه العقلية المريضة دمرت البلد وجعلته آخر الشعوب، و المريض بهكذا علل ينبغي أن  يراجع مستشفى الامراض.....  

 ويبقى الامل منعقد على النخبة من الوطنيين وهم كثر و الذين نعول عليهم لتغيير المسار وتصحيحه نحو عراق حر متقدم، ونأمل من هذه الثلة الخيرة فك أسر العراق من قيود المستبدين والمرضى، ليعيش الامن والحرية ويسوده القانون والذي يحتاج  قوة ارادة وشجاعة لتحقيقه.

ليس عيباً ان نستفيد من تجارب الاخرين  ونتعلم منهم ونأخذ كل ما هو جيد ومفيد ونَذَر ما هو سلبي  لكي لا نقع بالأخطاء  ونمضي قدما لبناء دولة المؤسسات التي يحلم بها الانسان العراقي، والعراق بحمد الله يملك كل مقومات الدولة العصرية، لكنه يحتاج إلى رجال دولة وليس إلى دولة ......

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك