المقالات

ما قبل وبعد الإنتخابات الأميركية... تفكك اجتماعي وتراجع امبراطوري

1239 2020-09-14

 

سعود الساعدي||

 

منذ مطلع العقد الثاني من القرن الحادي عشر، بدأت واشنطن تدرك حدود قوتها وطبيعة توازنات القوى المستجدة، ما اضطرها لتغيير مسارها واعتماد سياسة الانكماش، والتركيز على الأولويات الجوهرية داخليا وخارجيا.

تكشف المعطيات الاخيرة عن المجتمع الاميركي، عن بروز وتنام حاد لتوجهين للقومية داخله، انتجا استقطابا متناميا، الاول تمثله قومية مدنية تتأسس على الايمان بالدستور والقانون والفردانية، وتؤمن بأن اميركا يجب ان تقود العالم وهي مكلفة بمهمة إلهية. فيما يمثل التوجه المضاد، قومية عنصرية تمثل السكان الأصليين البيض المؤمنين بماض قومي مثالي متضائل، ومن تخوف من فقدان الامتيازات والمكانة والمكاسب.

كما تكشف المعطيات أن اميركا تحولت الى دولة الحزب الواحد، ليس الحزب السياسي ذي الوجهين الديمقراطي والجمهوري فحسب، وانما دولة الحزب الرأسمالي، حزب رجال الاعمال الذي نقل اميركا من حكم الديمقراطية الى حكم البلوتقراطية "حكم طبقة الاثرياء"!.

لم تعد اميركا محصنة وقوية بل منهكة ومتراجعة، ويكفي ان دولة معادية مثل روسيا متهمة بمساعدة ترامب للوصول الى الرئاسة، فيما يبدو انه استعادة مقلوبة لجدلية سقوط الاتحاد السوفيتي السابق بمساعدة غورباتشوف! وما يذكر ايضا بتعبير اوباما في عام 2016 عن مخاوفه من ان: "يقود اﻻنقسام الحاد داخل الوﻻيات المتحدة الى نسق سيؤدي الى عودة الحرب اﻻهلية اﻻميركية بين الشمال والجنوب"!؟

وصول ترامب نفسه مثل عنوانا مثيرا للتفكك الداخلي للجمهورية، والاخفاق الخارجي للإمبراطورية، فقد كشف انتخاب الرئيس المثير للجدل والاستثنائي بمواصفاته، عن عمق الانقسامات الداخلية وحديتها، والتي أثرت في طبيعة دور واشنطن ورؤيتها للنظام الدولي. واقع اختصره تشومسكي بقوله: "ترامب حصيلة مجتمع متداع وماض بقوة نحو الانهيار".

مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية، ومع تزايد التهديدات الداخلية، وتعاظم التحديات الخارجية، يسعى النظام السياسي الاميركي عموما الى التكيف مع وباء كورونا رغم تعميقه للأزمة البنيوية الاميركية، واظهاره للتخبط والفشل والعجز في مواجهته، مع سعي الحزبين الجمهوري والديمقراطي - رغم الكباش الانتخابي - لتهيئة مناخ شبه طبيعي، عشية موعد الانتخابات الرئاسية، لتحاشي الاضطرار الى خيار التأجيل ما ينذر بالدخول في أزمة سياسية خانقة.

لا يبدو ان الانتقال السلس والسلمي للسلطة في الولايات المتحدة كما هو معتاد، سيكون حاضرا بعد الانتخابات الاميركية، مع ما شكله وصول ترامب للسلطة من تجاوز للاعراف السياسية التي غذتها مواقفه المعلنة بعدم مغادرة البيت الابيض تلقائيا، وعدم الاقرار بنتائج الانتخابات، والايعاز لمؤيديه المدججين بالسلاح لحمايته من ردود فعل المؤسسة العسكرية، التي دعت بعض اطرافها لاخلاء ترامب من البيت الابيض بالقوة في حال رفضه الخسارة، كرد ايضا على ما يدور في أروقة المؤسستين العسكرية والأمنية من نيات بالتدخل للسيطرة على "سلاسة تقليد التسليم والاستلام السلمي" للسلطة، ما يعكس حدة الصراعات المتنامية بين اقطاب المؤسسة العسكرية، وعمق الشروخ الاجتماعية في ظل تهديد ولايات كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن المطلّة على الساحل الغربي للولايات المتحدة بالانشقاق عن الاتحاد الفيدرالي القائم في حال تسلم الرئيس ترامب مهام ولاية رئاسية ثانية الامر الذي يهدد صيغة الحكم الفيدرالي، فضلا عن الانقسامات العمودية على عدة مستويات ليس اخرها تنامي الاحتجاجات ضد ممارسات اجهزة الشرطة العنصرية ضد السود، وتداعيات كل ذلك على الامبراطورية الاميركية العظمى ومخاطره على المستويات الاستراتيجية.

تدخل القوى الامنية الفيدرالية في بعض المدن نتج عنه تصادم مع صلاحيات بعض المدن والولايات، فاقمه تغول بعض الاجهزة الامنية وانتشار المليشيات المسلحة واعتداءات بعضها على التظاهرات السلمية، مع ازدياد حالات الجرائم العنصرية الرسمية، ما يعزز مناخ الفوضى والاضطرابات اثناء التصويت في الانتخابات في بعض الولايات، اضافة الى التخوف من احتمالية تجدد انتشار وباء كورونا، التي ما تزال قائمة بعد ان كشف الوباء في موجته الاولى عن تهرئ النظامين الصحي والاجتماعي، وضعف البنى التحتية في مناطق عديدة ما يضاعف التحديات ويزيد المخاطر.

من المتوقع ان لا يؤدي ازدياد وحدة وعمق وتداخل الازمات الاميركية الداخلية، الى تقويض سريع لأسس النظام الاميركي بسبب غياب الفاعِلَين الداخلي البديل والخارجي المستثمر، ولكن من المتوقع انه سيمثل مفصلا هاما في مسار التمزق المتسارع والانقسام المتنامي والتفكك المنتظر، ولا يبدو ان الدولة ستكون معه قادرة على احتمال تداعيات الازمات والإخفاقات الداخلية ولا الإمبراطورية قادرة على استعادة المبادرة في ظل الانقسامات الداخلية غير المسبوقة.

فوز ترامب سيعني استمرارا للاخفاق وتسريعا للسقوط، أما فوز الديمقرطيين فسيعني تهدئة وتسويات داخلية وخارجية، والمحصلة هي مزيد من التفكك الداخلي والتراجع الخارجي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك