المقالات

الإستعمار الجديد


ناجي سلطان الزهيري||

 

لم يعد الإستعمار تقليدياً كما كان ، فالدول الإستعمارية ليست بحاجة بعد الى تجييش الجيوش وعبور القارات والقتال ،لتحتل ، صار الإستعمار سهلاً ومتيسراً واكثر نفعاً وسيطرة ، ببساطة تستطيع الدول العظمى التي تمتلك وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام الموجّه ، استعمار العقول وتوجيهها كيفما تشاء ، حجم الضغوط التي تمارس من خلال وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي ،جعل من الصعب مقاومتها والحصانة منها ،خاصةً في مجتمعاتنا العربية التي تعاني من الجهل بنسبة كبيرة ، وبعد ان اختلط الحابل بالنابل، واصبح للإشاعة رواج سريع ومدمر بين اوساط المجتمع الذي يمتلك اغلبه حسابات على الفيس بوك وتويتر وعلى منصات إجتماعية اخرى.

 ليس هناك بالمقابل وسيلة ردع لهذا الضخ الإعلامي الموجه والمقصود الذي يحرك العقول عن بعد وكيفما يشاء ،وغالباً مايكون سلبياً ، أنا هنا لا أشير الى الضغط السياسي فقط ،بل تعدى ذلك الى تغيّر واضح في السلوك الإجتماعي والإعتقاد الديني وزيادة نسبة العنف ايضاً ، لقد خلقت منصات التواصل الإجتماعي، وبالخصوص الفيس بوك ، شرخاً اجتماعياً كبيراً وعداوات واضحة، وقسمت الشعوب الى مع وضد ، وساعدت على الجريمة والجريمة المنظمة ، وحولت الذي كان صديقاً ورمزاً قبل فترة قريبة الى عدو ومنبوذ ، بل وصلت الى المقدس الذي كان خطاً احمراً لايمكن المساس به ليصبح محلَّ جدل وحتى استهزاء وتهكم.

 العراق نموذج واقعي وحي لما يتعرّض له الشعب من ضغوط إعلامية كبيرة ، قسّمت الناس الى فريقين متناحرين ، وحتى عدوّين ( ذيول وجوكرية ) ومن حيث أنت لاتشعر تتهم بأحد هذين المصطلحين فور ابداء رأيك حتى وان كنت مستقلاً لاتنتمي الى حزب او كتلة او جهة سياسية معينة.

هذه التقسيمات وغيرها جاءت نتيجة الضخ الإعلامي الكبير الموجه والمقصود ،وقد نجح الى حدٍ كبيرٍ ونال مراده وحقق اهدافه ، وبالتأكيد هناك عوامل مساعدة اخرى من شراء ذمم وضمائر ل ( نخب ) إعلامية وسياسية واستغلال كبير لمعاناة الناس وفساد طبقة سياسية فشلت فشلاً ذريعاً بقيادة البلد ، بل نجحت بتكريس المحاصصة والطائفية ،وحولت العراق الى بلدٍ يتصدر القائمة العالمية بالفساد ، ناهيك عن انعدام البنى التحتية والبطالة ونسبة الفقر الكبيرة رغم الثروات العظيمة التي يتمتع بها العراق.

 فشل السياسيين في حكم العراق كان عاملاً مساعداً ومهماً في استغلال عواطف الناس وحاجتهم وتذمرهم ،وبهذا حقق الإستعمار الحديث مراده بشق الصف وتكريس العداء بين فئات الشعب وتقسيمهم بين ذيول وجوكرية وما تبع ذلك من دماء وتدمير وحرق وشرخ مجتمعي واضح لا يمكن السيطرة عليه بسهولة والعودة به الى مجتمع متسامح ومتصالح مع بعضه ، يتحكم به الدافع الوطني، وليس التوجيه الخارجي الذي لايريد الخير للبلاد والعباد ولاشك في ذلك ابداً وبدون استثناء دولةٍ دون أخرى .

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك