المقالات

حديث عن أراكَيل تحت نصب الحرية..!

1361 2020-07-19

 

قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com||

ترسَخ في أذهان كثيرين، أن الحضارة الغربية هي مصدر الحريات في عالمنا المعاصر، وأن فلاسفة الآلة الفكرية التي رافقت الثورة الصناعية في أوروبا، هم أول من تكلم عن الحريات؛ كمبدأ أساسي من مبادئ الحياة الإنسانية،

في هذه الأثناء؛ جرى تركيز إستهدافي للأمة الإسلامية، ينعتها بإنها ليس في قاموسها معنى للحريات، بل وأنها توصف دائما بأنها شريعة ومجتمعات، مصدر الكبت والإرهاب في العالم، وأن الحضارة الإسلامية العظيمة؛ لم تقدم مثل ما قدمته الحضارة الغربية في مجال الحريات، وأنتقل ترويج الآلة الإعلامية للغرب الى مجتمعاتنا المسلمة عموما، وعلى الأخص الى المجتمعات العربية، وصارت هذه الأفكار متبناة من قبل قطاعات واسعة من أبناء المسلمين أنفسهم، وبالأخص العرب!

الحقيقة هي أن الحرية مفهوم من المفاهيم الكبرى؛ التي تحكم وعي الإنسان فتحرك مشاعره وتوجه فعله، مثل مفاهيم الحياة والموت والأمل. وهي لذلك من المفاهيم التي يصعب تحديدها تحديداً جامعاً مانعاً، نظراً لتأثرها بالخبرة الاجتماعية، وارتباط معانيها بجملة من المفاهيم الموازية، وهنا يظهر التباين بين الإسلام والغرب في تعريف الحرية، لاختلاف متبنيات وتصورات الفلسفتين الغربية والإسلامية؛ حول حرية الفرد تصورا وممارسة، لاختلاف المصدر والمنطلقات والمقومات الفكرية، والحمولة الثقافية والمعرفية في كلتا المنظومتين، وبالتالي ما يصح هناك لا يصح هنا والعكس صحيح..

العكس صحيح؛ رؤية لا يقبلها كثير من المتشددين الإسلاميين، ويتخذ هذا الرفض التشدد صورا متطرفة في أحيان كثيرة، ما يضعهم في مواقع التنافر مع المجتمعات الغربية، التي يعيشون فيها، وينتقل التنافر الى مستويات عنفية، وهنا تبدأ صناعة الإرهاب.

قبالة التطرف الإسلامي، وهو لا يمثل الإسلام بالطبع، فإن المفهوم المتسيب للحرية في الغرب، الذي يعرف الحرية بأنها: غياب القيود الخارجية التي تحول بين الإنسان؛ وفعل ما يمليه عليه عقله وحكمته، فأضحت الحرية عند الغرب، تعني الانطلاق بلا قيد، والتحرر من كل ضابط، والتخلص من كل رقابة، حتى ولو كانت رقابة الضمير، فلتحطم وليحطم معها الضمير إن احتاج الأمر، حتى لا يقف شيء في وجه استمتاعه بالحياة، وحتى لا تفسد عليه نشوة اللذة!

معنى هذا ترك الفرد وشأنه؛ يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء، بلا قيود ورقابة أو ضوابط، وعلى المجتمع أن يسّلم بذلك الحق، وعلى الحكومات أن تحافظ على تلك الحرية وتحميها، فلا دين يحكم النفوس، ويكبح جماحها، ولا أخلاق تهذب طباعها، وتوقظ مشاعرها، وتثير فيها روح النخوة والغيرة، ولا مثل ولا فضائل، تقاس على أساسها الأعمال خيرها وشرها، ولا حياء يمنع المجاهرة بالمنكر.

أدى ذلك الى إنهيار قيمي فتك بالشعوب الغربية، وهو إنهيار إنتقل مع ثورة الإتصالات العالمية الى المجتمعات المسلمة والعربية، وبدأت حشرة أرضة الحرية المنفلتة، تفتك بجدران بيوتنا، وتنخر في خشب ابوابها وشبابيكها وسقوفها، وانتقلت الحشرة الى أراكيل الشباب؛ فباتوا يدخنون أبخرة هذه الحشرة المحترقة، يتنفسون أبخرتها السامة بكل ممنونية، تحت عنوان الحرية!

كلام قبل السلام: تعالوا الى ما قاله تعالى لنا، عن الحرية التي أطلقها حتى في اختيار عقيدة الإسلام: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[الإنسان: 2]؛ فهو سبحانه بذلك يقرر للإنسان حريته بأمور الإيمان والعقيدة والتوحيد، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[البقرة: 256]، ليمضي جل في علاه بنا الى ابعد من ذلك (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ)[يونس: 99].

سلام..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك