المقالات

معاول هدم الدولة  


عبد الكاظم حسن الجابري ||

 

تتكون الدولة من أضلع ثلاثة: وهي الشعب وهم مجموعة الافراد داخل المجتمع, والاقليم الجغرافي وهي المساحة التي لها حدود معينة, والحكومة وهي السلطة التي تمارس ادارة شؤون الدولة باتفاق افراد مجتمعها.

عادة يرتبط الافراد داخل الدولة بما يسمى بالعقد الاجتماعي, او بعبارة اخرى نسميه مساحة العلاقات الاجتماعية والانسانية والسياسية بين الافراد, وهي –العلاقات- تمتد افقيا بين الافراد وتشكل العلاقات النسبية والسببية بينهم كالعائلة والمصاهرة والصداقة والزمالة, وتمتد عموديا مع الحكومة حيث تحصل التراتبية الوظيفية ومبدا الرئيس والمرؤوس والمواطن والمسؤول.

تعمد الدول في اغلبها الى العمل لأجل ان توفر الرفاهية لشعبها, ويكون الافراد داخل الدولة متمتعين بالحقوق والحريات العامة, ومتساوون فيها دون تميز بينهم على أساس النسب أو العرق أو اللون أو المعتقد أو الانتماء.

تختل موازين الدولة وتهتز أركانها إذا مارست السلطات فيها التمييز بين الافراد, وأعطت امتيازات لفئات داخل المجتمع دون غيرها, وقد أطلقنا عليها صفة المعاول التي تهز كيان الدولة وتهدمه, وفيما يلي سنضع مجموعة معاول قد شخصناها تضر وتهدم الدولة وتحطم كيانها:

1.  ارتباك منظومة التشريعات والقوانين الحاكمة: من أهم الامور التي تنظم عمل الدولة وعلاقة الافراد فيما بينهم وعلاقة الافراد بمؤسسات الدولة هو منظومة التشريعات والقوانين الحاكمة, فهذه المنظومات إن كانت تعسفية أو مطاطية أو ظالمة ستكون سبب من أسباب انهيار الدولة, ومحرك من محركات السخط الشعبي تجاهها, لذا فان القوانين يجب أن تُصاغ بعدالة وبشمولية لتكون خادمة لكل أفراد المجتمع دون تمييز.

2.  العدالة الانتقائية: من أهم اسباب انهيار الدولة وإثارة السخط المجتمعي عليها هو العدالة الانتقائية, ونعني بها تطبيق القوانين والاجراءات والعقوبات على المواطنين البسطاء وغض الطرف عن المسؤولين والذوات وكبار وجوه المجتمع.

3.  تعسف الاجراءات: تسير منظومة القوانين بمجموعة اجراءات تنفيذية لتسهيل تقديم الخدمة للمواطنين, وهذا الاجراءات إن جاءت تعسفية ومذلة للمواطنين فإنها ستكون معول كبير من معاول هدم الدولة, وإن التعسف ممكن أن يقوم به موظف بسيط أو مسؤول كبير.

4.  البيروقراطية: وهذه أس المشاكل التي تهدم كيان الدولة, فالبيروقراطية حالة مرضية تصيب الدولة, من خلال صعوبة الاجراءات وتعقيدها, وخنق للمرونة المطلوبة لإنجاز المهام الحكومية والوظيفية, وهي تؤثر تأثيرا مباشرا على تقديم الخدمة للمواطنين, وهي مقدمة للفساد والابتزاز الحكومي.

5.  الفساد: من أقوى المعاول التي تهز الدولة هو معول الفساد, ففيه تذهب الحقوق ويُذَلُّ المواطن, وبالفساد تصبح الثروات نهبا لفئات قليلة داخل الدولة, وتكون هذه الفئات لاعبا عشوائيا بمقدرات البلد.

6.  المحسوبية والمنسوبية: تشكل المحسوبية والمنسوبية مشكلة كبرى تضر باي دولة, فهذه المحسوبية ستجعل الافراد المنتمون لجهات معينية يتمتعون بامتيازات الدولة كالوظائف والخدمات والمواقع, في حين يُزوى عنها بقية المواطنين, وهنا لن تكون للكفاءة والنزاهة والاخلاص مكانا في عمل الدولة وسيكون الانتماء هو المعيار في التوظيف وتقديم الخدمة.

7.  الانقسام السياسي: عادة تدار الحكومة من قبل جهات سياسية, تكون على شكل أفراد ايدلوجيين أو أحزاب أو تيارات أو كتل سياسية, وهذه الجهات إن لم تتناغم فيما بينها وتتنافس لتقديم الخدمة ستكون عندئذ عامل انقسام وتخاصم, وعامل تعطيل لتشريع القوانين التي لها مساس مباشر بخدمة المواطنين.

8.  الانقسام المجتمعي: قد يستغرب بعض القراء من وضعنا للانقسام المجتمعي كمعول من معاول هدم الدولة, وبالعودة لتعريف الدولة فالأفراد –المجتمع- هم ضلع من اضلاع تكوين الدول, وأي اهتزاز للمنظومة القيمية المجتمعية والانقسام الداخلي فيه, وتقديم اعتبارات ضيقة على أساس الانتماء العشائري أو الديني أو المذهبي أو القومي سيشكل عقبة كبيرة أمام نهضة الدولة, وستكون أي دولة منقسمة مجتمعيا عرضة للتدخلات الخارجية, وعرضة لفقدان السلم الاهلي من خلال الاقتتال الفئوي كالنزاعات العشائرية والقومية والطائفية.

9.  فقدان العدالة الاجتماعية: تعرف العدالة الاجتماعية على إنها نظام اقتصادي واجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين أفراد المجتمع, ويأتي فقدان هذه العدالة عند منح امتيازات أو مخصصات أو رواتب عالية لفئات محددة, في حين تترك باقي الفئات دون مورد اقتصادي او تحصل على مورد اقتصاديٍّ متدنٍّ, كالرواتب العالية للمسؤولين والوزراء والموظفين في الدرجات العليا, وهنا سيدخل الحسد والحقد بين أفراد المجتمع, وستتصاعد حدة السخط المجتمعي, مما يهز تركيبة الدولة ويزعزع استقرارها.

الحقيقة إن الدول التي تحترم كيانها وتحترم مواطنيها, عليها أن تسعى لتقديم ما فيه رفاهية المواطن وعمران الوطن, ويكون ذلك برسم سياسية دقيقة, وتشريع منظومة قوانين حاكمة واضحة, وتسهيل الإجراءات لأداء المهام, لإعطاء المرونة المطلوبة, وازالة الفوارق الاقتصادية والمجتمعية بين الافراد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك