سعد الزبيدي* ||
مشكلة الكثير من العراقيين حتى المثقفين منهم أنهم يتعاطون مع الواقع بمنتهى العاطفية وتعصب وهذا ينعكس على عطاء هؤلاء جملة وتفصيلا .
اذا اردنا نبني وطنا لابد أن نتجرد من كل الانتماءات ونؤسس لقانون قوي ونطبقه ونحترمه ولا نتحاوزه مهما كان السبب .
هكذا فقط تبنى الاوطان اما اذا حاولنا نتعاطى مع الأمور بعاطفية وتعصب ونحاول أن نبحث عن مبررات لكل من يحاول أن يخترق القانون فقط لكونه ينتمي لديننا ومذهبنا وطائفتنا وقوميتنا لنأخذ العضات والعبر من تجارب شعوب سبقتنا لابد من أن نتصارح وان نتكاشف ولابد من طي صفحة الماضي مع اعطاء كل ذي حق حقه دون ان ننطلق في ذلك من عقد تحركنا ولا تحل تلك المشاكل الا بقانون عادي وقوي وعادل يطبقه قضاة عدول لا تأخذهم في الحق لومة لائم وحتى نعبر للضفة الثانية كي ننطلق من أجل النهوض بالواقع العراقي في كل الميادين .
التحول العراقي كان مفاجأة للجميع وولد هذا فوضى في فهم معنى الحرية والديموقراطية لذلك تأثر كل شيء بهذه الفوضى ولعدم النضج السياسي وعدم امتلاك الخبرة في الادارة ونتيجة الدستور المتخم بالهفوات والنهايات السائبة ونتيجة الانانية الضيقة أسس لوطن بني على انقاض نظام دكتاتوري ليكون وطن مكونات واحزاب تتصارع من اجل مصالحها ونتيجة فشل الامريكان لايجاد البديل للحكم السابق أصبح الوطن مرتهنا لعدد من الاحزاب التي تدار من الخارجين متصارعين متقاطعين وكل حزب بما لديهم فرحون .
تضارب المشروع الأمريكي الذي كان يرمي لايجاد نظام موال له مع الواقع المعاش حيث انقسم البلد إلى مشاريع دولية تتصارع فيما بينها وكلها لا تريد الخير للعراق واهله وأصبح العراق ساحة لتصفيات الحسابات الاقليمية والدولية .
وفشلت الديمقراطية فشلا ذريعا بسبب تقوقع معظم احزاب السلطة حول نفسها وسيطرتها على مقومات الدولة بشتى الطرق ونتيجة المحاصصة ولد الفساد الذي استشرى في المجتمع وأصبح ثقافة يتعكز الكثير عليها فاصبحت مقدرات البلد حكرا على عدد من الأشخاص يبيعون ويشترون في الكراسي والمناصب واليهم تجبى الثروات فاصبحوا امبراطوريات مالية ومعظم هؤلاء لديهم مافيات ومجموعات مسلحة تهدد الامن وتحميهم بل وتفرض له حماية لا يستطيع أي رئيس وزراء من الاقتارب اليهم لأن هذا يعني بمنتهى البساطة أن الوضع سينقلب رأسا على عقب وابسط ما سيلجأون إليه هو الفتنة والحرب الاهلية .في كثير من التجارب التي سبقت العراق في تغيير انظمة الحكم طفحت إلى السطح مافيات هددت الوجود الحقيقي للدولة ولكن نهاية هذه المافيات هو وصل رجل شجاع قوي يستطيع أن يضرب بيد من حديد لا يخاف ولا يخشى من ردود الافعال وتجربة روسيا ماثلة أمامنا وأنا فيها عبرة إن أردنا ذلك .
ومشكلة الطبقة المثقفة ولسان حال المواطن انه يخاف من ردود أفعال هذه المافيات لأنه يستشعر بمدى ضعف الدولة أمام هؤلاء الذين يستطيعون أن يقتلوا من يشاؤون دون خوف من يد تقبض عليهم وقصاص ينالهم ولذلك ترى كثير من مدعي الثقافة يقولون عكس ما يؤمنون به حتى أصبح البعض ابواقا لهذه الجهة او تلك وهؤلاء سرعان ما سينقلبون على مبادئهم مع أقرب تحويل أو انتقالة أو توفرت لهم فرصة الهروب خارج الوطن والشعور بالامن والأمان .
لنتفق سوية أن كل الحكومات كانت هي نتيجة المحاصصة والتوافقية وكلها كانت لاتريد فتح جبهات معادية إليها لأنها كانت تلجأ إلى مبدأ غض الطرف وإتباع حكمة لا أرى لا اسمع لا اتكلم وكلما جاءت حكومة لعنت اختها والخلل واضح ومشخص للعيان ولكن تبقى الحلول لا تتلائم مع الواقع الكل يصدعون رؤوسنا بضرورة تطبيق القانون ومساندة الحكومة كي تفرض هيبتها وسرعان ما تتلاشى تلك الشعارات مع أول تجربة حقيقية فنجد أن اصحاب تلك الشعارات يضربونها عرض الحائط .
كنت من اشد المعارضين لاختيار الكاظمي ومازلت كذلك لأنه لايمتلك خبرة سياسية وفريقه ومستشاريه لايمتلكون رؤية واضحة التعامل مع الواقع ولا يسعفونه بحلول واقعية لحجم التحديات التي تواجه حكومته ولكن مع اختلافي معه لكني اراه يحاول أن يخطو خطوات جريئة ولكنه لايمتلك قاعدة جماهيرية تسانده وأنا بالرغم من اختياراته غير الموافقة للشخوص في اكثر من مكان ولكني اراه يريد أن يحقق انتصارات إعلامية فهو يحاول أن يجس نبض الشارع أولا وردة فعل احزاب السلطة ثانيا واتوقع في القريب العاجل اذا ما نجح في عبور أزمة كورونا مع نهاية هذا العام فأنا متأكد أن الكاظمي سوف يقلب الطاولة على الجميع ويغرد خارج السرب ويخطو خطوات طال انتظارها من الشارع العراقي وربما هو يستند في ذلك على الدعم الدولي واذا أمتلك الشجاعة والجرأة في تطبيق ما يسعى إليه من السيطرة على موارد الدولة وتكبيل يد اللصوص والسراق الذين عاثوا فسادا في الأرض وخاصة مهربي النفط في الجنوب والشمال والمسيطرين على المنافذ الحدودية وارصفة الموانيء ونقاط التبادل التجاري ونقاط التفتيش ما بين المحافظات وسيطر على واردات الدولة من الضرائب والمسيطرين على عقود الوزارات وبائعي الدرجات الوظيفة والذين لديهم فضائيين لتمويل احزابهم في هذه الوزارة او تلك واذا استطاع أن يحصر السلاح بيد الدولة ويقدم عددا من رموز الفساد للمحاكمة ويستعيد الأموال المنهوبة فسيصبح الكاظمي بطلا قوميا.
ولكن كل هذا يبقى حبرا على ورق حتى تشعر المنظومة السياسية أن الشارع يبحث عن منقذ يعيد الأمور إلى نصابها ولايكون ذلك الا باثبات الولاء للعراق أولا واخيرا وبتغيير الدستور وتطبيقه على الوزير قبل الفقر فهل تخبأ لنا الأيام القادمة مفاجئة لم تكن في حساب احزاب السلطة وحيتان الفساد وتجار الحروب .
أنا متفائل جدا بأن ساعات الفرج أصبحت قريبة وأن غدا لناظره قريب .
*كاتب ومحلل سياسي
https://telegram.me/buratha