حيدر السعيدي ||
لم تنفع نصائحي المتكررة لصديقي ابو مظفر بترك التدخين ، لما فيه من مضار صحية كبيرة وتعودتُ منذ سنوات على منظر(أبو مظفر ) وهو يدخن بيد ويمسك قدح الشاي باليد الأخرى ، حتى تركت النصح لحفظ أواصر المودة بيننا .
وما ان داهمتنا جائحة كورونا كغيرنا من دول العالم حتى عاودتُ تلاوة نصائحي لصديقي مع اختلاف الموضوع ، فبدلا من ترك التدخين طالبته هذه المرة بترك الاختلاط مع الاخرين ، وضرورة التباعد الاجتماعي ، ولبس الكمامة وارتداء القفازات , وعدم الخروج من البيت الا للضرورة القصوى ، مذكرا إياه بمجموعة من الرسائل الصحية التي توجهها الجهات المعنية .
وكعادته دائما لا تخلو ردوده من السخرية والاستهزاء بأنه لو ارتدى الكمامة سيختنق ويموت ، وان جلس في زاوية من زوايا بيته كيف سيتخلص من طلبات (ام مظفر ) التي تبدأ بحاجة ام الالف ولا تنتهي الا بـ (زيان الراس ) !
بقي أبو مظفر يتردد علينا فترة من الزمن بزيارات ليلية متعاقبة مع كثرة اللوم له لكثرة اختلاطه بأصدقاءه وخروجه غير المبرر من بيته ، في هذه الظروف الصحية الصعبة ، وهو لا يبرح ان يردد كلماته المعهودة : لا تخاف كل واحد يموت بيومه ، كورونا كذبة وراح تبين الحقيقة !!
و تندم على تبذيرك للراتب على المعقمات والكلور واكياس الكمامات !!
بعدها انقطع صديقي عن زيارتي لعلمه بعدم حفاوة استقبالي له في هذه الظروف غير الملائمة ، ولكنه بقي متنقلا بين صديق واخرممن يقولون : بنظرية كورونا كذبة افتعلتها الحكومة ! وظل مترددا على الأسواق لضرورة وبدونها ، حتى لفت انتباهي ليلة امس فيديو أبو مظفر وهو بالكاد يسحب الانفاس في ردهة العزل الصحي ، مختنقا بعبرته ، في منشور مظفر وهو يطلب من اصدقاءه الدعاء لأبيه ( أبو مظفر ) الذي لم يكن مظفرا في الخلاص من انياب كورونا .
قطعا الحياة والموت بيد الله سبحانه وتعالى ، ولن يموت انسان قبل ان يستكمل رزقه من هذه الدنيا ، ولكن لايعني ذلك ابدا ان نلقي بأيدينا في التهلكة .
الحظر المنزلي افضل من الحجر الصحي ، والشعور بالاختناق في البيت احلى بكثير من مرارة الاختناق بنقص الاوكسجين .
تناول الطعام المتيسر مع تمام الصحة وسط العائلة احسن حالا من فراق الاحبة .
كتب الرسام (هارولد أبوت ) على مرآته كتابة يطالعها كل صباح : "
يوما ما شعرت بالقلق لأن لا حذاء لدي ، حتى التقيتُ في الشارع برجل لا ساقين لديه " .
20/ 6/ 2020
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha