المقالات

انغلاق الثقافة وانفتاح الجهل في مجتمعنا  


عباس قاسم المرياني ||

   

     لمعرفة مدى ثقافة مجتمع ما وتطوره يجب الغور في اعماقه، ومعرفة ردة فعل هذا المجتمع أتجاه المؤثرات الداخلية والخارجية والاحداث والكوارث والمسببات الاخرى التي يمر بها، والوصول الى محصلة نهائية لمعرفة ثقافة هذا المجتمع وتطوره.

 والمجتمع العراقي كأحد المجتمعات الذي تميز بثقافته وسعة افقهِ على مر العصور، ويعد من المجتمعات الثقافية الموغلة في القدم من زمن السومريين والاكديين والبابليين والاشوريين مروراً بالاسلام وكيف انتقلت الثقافة الاسلامية اليه، وكان العراق مهد الثقافات في جميع فترات حكم الدول الاسلامية المتعاقبة وحتى وقتنا الحاضر.

   الا انه في العقود الاربع الاخيرة بدءاً من ثمانينات القرن الماضي نلاحظ موجة الجهل في المجتمع العراقي تسير بمنحنى تنازلي نحو نقطة الصفر، وهذا لا يعني عدم وجود مثقفين ووعاة ووعاظ، الا ان دورهم او تأثيرهم يكاد يكون معدوم بسبب قوة الموجة، وان كانوا يقدمون ماعليهم الا انه لا عينٌ ترى ولا اذنٌ تسمع لان الجهل بذاته اصبح ثقافة في المجتمع.

   ولهذا الجهل في مجتمعنا اسباب وركائز مهدت لانتشاره وسيطرته على شريحة واسعة جداً من المجتمع، ومن هذه الاسباب سياسة نظام الحكم الهدامي السابق الذي قضى على رجال الثقافة باعتبارهم خط الصد الاول ضد سياسته الدموية، فالمجتمع المثقف يصعب السيطرة عليه؛ لذلك عمل على قتل وتشريد المثقفين، ومحا كل ما من شأنه يعزز الثقافة في المجتمع واعتمد على عسكرته كبديل لذلك.

   والسبب الاخر هو في القرن الحالي بعد سقوط النظام الهدامي استبشرنا خيراً، وانفتاح العراق على العالم كان لزاماً على الانظمة الحاكمة ان تطور من ثقافة المجتمع، ويكون بمصاف الدول الاخرى في الثقافة والعلم والتطور، الا اننا شهدنا عكس ذلك؛ فهذا الانفتاح والتواصل مع الخارج كانت مردوداته عكسية، هذا ليس بسبب المجتمع ذاته، بل الانظمة والمؤسسات المختصة لم تعمل على التخلص من مخلفات النظام السابق، انما رسخت ووسعت من افق الجهل في المجتمع وحاربت الثقافة.

   فضلاً عن ذلك دعاة الارهاب والسلطوية وسياسات الدول الاخرى وجدوا في الجهل المنتشر اداة سهلة لبث سمومهم في المجتمع، وتنفيذ مآربهم الخبيثة، وحتى الاحزاب والكتل السياسية عملت على ذلك؛ لان الثقافة لا تخدم مصالحها بل تكشفها، فأتجهت بذلك نحو الجهل وعبأته في المجتمع وفق رغباتها ومصالحها.

وفي هذه الايام ونحن في ظل وباء كورونا القاتل، والنداءات التي اطلقت ولا زالت تطلق من قبل المؤسسات الصحية، ووسائل الاعلام، والمرجعيات الدينية بكل طوائفها، التي تطالب الالتزام بالتعليمات، وعدم الخروج من المنازل، وتنهي عن التجمعات، نجد الثقافة لا يعمل بها والجهل مسيطر؛ فنرى هناك من يخرج للتظاهر ليس لسبب معين او مطلب محدد ولكن سيرهُ العقل الجمعي، واستحمرهُ ذوو الغايات الخبيثة، ونرى من لا يؤمن بوجود داء اسمه كورونا دون دليل علمي واضح، ونجد من يقيم المناسبات ومجالس العزاء دون النظر الى عواقب هذا الفعل، ومشاكل العنف الاسري والضحية كلا الجنسين وغيرها الكثير من الحالات التي دلالاتها توحي الى الجهل المحدق بهذا المجتمع، وحتى المثقفون الذين سئموا من التوجية والارشاد باتوا اليوم معزولين متروكين لان الجاهل اصبح يناديه بعبارته المشهورة "لا تتفلسف براسي".

   وان كانت هناك نية للقضاء على وباء الجهل الذي انتشاره اوسع من الاوبئة الاخرى واكثر فتكاً منها، نحتاج بناء اسس صحيحة من الصفر نبدأ فيها من الاجيال القادمة، وتغيير الانظمة التربوية والتعليمية في مؤسساتنا الحكومية، وتوسيع دور المنظمات الاخرى سواء المهتمة بالانسان، او التربوية والتعليمية، وحتى الثقافية منها، ووضع قوانين صارمة لهذا الامر للحد من انتشاره، عسى ولعل ان نصل لنتيجة مقبولة وليست جيدة.

ـــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك