المقالات

حكومة ومعارضة ومسكين  


د. قاسم بلشان التميمي ||

 

اذا كان ميكافيللي يرى في كتابه (الامير) انه لايوجد حرج للحكام الذين يضربون عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية التي تربط بينهم وبين شعوب المجتمع الذي يحكمونه، طالما ضمن لهم ذلك البقاء في السلطة، فأن المعارضة (الحديثة !) ترى هي الاخرى انها ليس أقل شانا من ميكيافيللي ، لذلك ضربت كل القيم الاخلاقية والمباديء من أجل الوصول الى منصب الحكومة، ولايهمها (المعارضة) ان تسفك دماء الابرياء مادام ذلك يضمن لها الوصول الى السلطة ،وحقيقة الامر ان الحكومة في اصلها معارضة والمعارضة في طريقها لتصبح او تمسي حكومة ، او تقترب كثيرا من ان تكون حكومة ، ويبقى الحال هكذا معارضة تعمل جاهدة وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة ، من اجل الوصول الى الحكم ، وظهور معارضة جديدة ، والعبرة ليس في معارضة او حكومة ، انما العبرة هي كيف تحقق المعارضة اهدافها عند تسلمها زمام الامور .

ولو ان هدف المعارضة الرئيس هو الوصول الى الحكم ، والذي يحصل دائما ان المعارضة التي تشكل الحكومة تنشغل بأمور كثيرة تبعدها وتنسيها اهدافها ، التي كانت تنشدها ايام المعارضة ،ومن الامور التي تشغلها على سبيل المثال كيفية خلق الازمات حتى تنشغل جميع الاوساط عن مراقبة ورصد عملها ، وليس هذا فحسب بل ان المعارضة عندما تتسلم مقاليد الحكم وتصبح هي الحكومة فأنها تتحول ايضا الى معارضة اوسع ، بمعنى تتحول من معارضة داخل البلد الى معارضة لعدد من حكومات دول الجوار والدول الاقليمية وعدد من دول العالم الا دولة ( واحدة ؟؟!!) فأنها لم ولن تعارضها ، وبالتالي فانها (المعارضة) تسعى لتحقيق اهداف تراها هي انها اهداف استراتيجية وكبرى.

 بينما يراها (قاسم) المواطن المسكين اهداف غير مهمة وصغيرة جدا،والمتضرر دائما وابدا من كل هذه الامور هو المواطن المسكين الذي يتحمل كل المصائب ( رغم انفه) ، وهذا المواطن المسكين متحير وهو في حقيقة الامر جل الذي يريده مصدر رزق يوفر لقمة عيش كريمة وشريفة له ولعائلته ، والحكومة تعمل جاهدة على توفير هذه اللقمة ولكن وفق شروط ، والشروط هي كثيرة وعديدة يصعب تحقيقها ومن هذه الشروط ، ان تكون يامواطن يامسكين منتميا الى حزب كبير او كتلة كبيرة ، وان تكون يامسكين لديك استعداد للتملق لهذا الافندي او ذاك ، واياك يامواطن يامسكين ان تذكر بأنك متعلم وحاصل على شهادة عليا ، لان هذا الامر كفيل بأن يجعل منك عدو للأفندي في هذا الحزب او تلك الكتلة الغير متعلم ، وذلك بسبب جهاده ونضاله ضد الطاغوت فلم يتسنى له التعلم !! ، واياك ان تسأل يامواطن يامسكين اين جاهد هذا الافندي !!

واياك ان تقول انه كان خارج العراق وانت داخل العراق حيث مقاومتك الشريفة وتحملك العذاب والاهانة على عكس الافندي الغير متعلم ، ومن الشروط الاخرى غير المهمة !! اياك ان تطالب بتوفير درجات وظيفية لباقي المساكين ، وأياك والمطالبة بتخصيص راتب للارامل والمطلقات وصرف مبالغ للايتام وأياك والمطالبة بتوفير الكهرباء !! وكثيرة هي الشروط .

ان الحكومة تدرك جيدا ان المسكين عندما يحصل على لقمة عيش كريمة فأنه لن يتوقف عند هذا الحد بل يبدأ في المطالبة بسكن افضل ، وكذلك المطالبة بواسطة نقل حديثة ،ويبدأ المواطن المسكين التفكير في كيفية العيش بترف ،وكثيرة هي الامور التي يفكر فيها والتي من شأنها ان تقفز به وتوصله الى مرتبة المنطقة الخضراء ،وعند ذلك يكون المسكين قد تجاوز كل الخطوط الحمراء وكذلك الصفراء والسوداء وكذلك تجاوز الخطوط التي وضعها بعض حمقاء هذا البلد.

ويبقى الحال كما هو علية حكومة ومعارضة ومواطن مسكين .

ـــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك