المقالات

مسرحية ما بعد 2003


علي علي

 

   بعملية حسابية بسيطة في النسبة والتناسب، يتوضح للناظر بشكل جلي الفرق -في التقدم التكنولوجي والعلمي- بين العراق وأمم وُلِدت بعده بقرون، إذ أن خط التطور البياني ينحدر بشدة مع خط التقادم الزمني بشكل مخيف، الأمر الذي ينذر بسوء المآل إن استمر الانحدار على هذا المنوال.

  وبما أن لكل شيء سببا، فإن هناك حتما سببا لهذا التدهور، ولو أردنا حصره بحقبة معينة فمن المؤكد أنها ستكون حقبة الربع الأخير من القرن المنصرم، وتحديدا ما بعد عام 1979. إذ مع أن مؤشرات التدهور بدأت منذ اقتراب سلطة البعث من كرسي التسلط والحكم في ستينيات القرون الماضي، إلا أن الوقع الكبير لمعاول التهديم بان بشكل سافر إبان تسنم صدام حسين مقاليد الحكم شخصيا ومباشرة، يومها صار التخريب نهجا متبعا.. والقمع سياسة قائمة معمولا بها، فآلت الأحوال من السيئ الى الأسوأ. والحديث عما فعله "السيد الرئيس" خلال وجوده في الحكم طويل، سأتجاوزه وأختزل تلك السنين كي أنطلق بالحديث من عام زواله في 2003.

  من المعلوم أن بزوال المسبب تختفي الأسباب عادة، وباختفاء الاخيرة تتغير النتائج.. فمن المفترض إذن، أن بزوال الصنم تختفي العلل، وباختفاء الأخيرة تنعكس النتائج الى حيث يهوى المسبب الجديد، أي أن المسبب له دور البطولة في مسرح الأحداث والنتائج على حد سواء.

الذي حدث بعد "عام السعد" عام 2003..! أن دور البطولة تسنمه شخص ثانٍ وثالث وعاشر، إلا أن الطامة الكبرى أن السيناريو بقي ذات السيناريو، والسياسة والنهج تلبسا قواما آخر مع الإبقاء على ذات القطب يدوران حوله، ولاينكر أن تغييرا كبيرا حدث في سينوغرافيا المسرح، كذلك هناك تغير جذري قام به "الماكير"..! أما الإكسسوار فقد كان له الحظ الأوفر من يد التغيير، فكان لهذه التغييرات -مجتمعة- بهرج وبريق لماع خدع المتفرجين وأغراهم بتأمل نهاية سعيدة للمسرحية، والمتفرجون في موقف لايحسدون عليه، فهم كما يقول مثلنا: "الغرگان يچلب بگشاية"، فراحوا يتابعون المسرحية التي طالت عليهم فصولها، ومازالوا يحلمون ويترقبون بشغف شديد تلك النهاية السعيدة.

  وبالعودة الى خط التطور البياني -خارج المسرح- ولكي لا أتهَم بالتشاؤم، أٌقول أن البلد بدأ يسير بخطى ثقال، مقارنة مع الطفرات العلمية والقفزات التكنولوجية التي استحدثت في العالم. في حين أن ماضي بلدنا يزخر بما تكتظ به ساحات العلوم والآداب والفنون، فقد ملأ أجدادنا المكتبات بأبحاثهم واكتشافاتهم واختراعاتهم في المجلات كافة، فيما اقترفت الحكومات المتتالية خطأ كبيرا في التعامل مع هذا الكم الهائل من الموسوعات، إذ ظن حكام العراق -السابقون واللاحقون- ان الإرث الحضاري يحفظ في الأدراج والدواليب، وعدّوه كنزا ضموه كملكية خاصة مع التيجان والأموال والقصور والضيعات، ليكون رصيدا يجيّر لحسابهم وحساب عوائلهم وأحفادهم وليس لأبناء هذا البلد. وبذا نهضت شعوب الأمم من حولنا وتنعمت بالرفاهية والحداثة في وسائل العيش، فيما حكام وادي الرافدين -لاسيما الحاليون- تشظوا في نياتهم وغاياتهم الى جهات عديدة، فمنهم من آلوا إلا أن يتعاملوا مع الظرف بانتهازية ووصولية وأنانية، بالتفاتهم الى مصالحهم الخاصة وإعلائها على مصالح البلاد وملايين العباد، ومنهم من تصرفوا بعدائية وضدية، بالتفافهم حول أعداء البلد في الداخل واستيرادهم آخرين من الخارج -وهم كثر-.

  وبين التفاف هذا والتفات ذاك، سجل البلد ومازال يسجل تأخرا في جانب وجمودا في آخر.. حتى باتت النسبة والتناسب جامحة في السلبيات، وأضحت الخطوط البيانية في مجالات الحياة تنحدر بالعراقيين أيما انحدار، فيما يعج مسرح يومياتهم بأبطال و (كومبارس) يتبادلون الأدوار في الضحك على الذقون، وسط انعدام متعمد في الرؤية، وتشويش مقصود في الأجواء، لكي تبقى نهاية المسرحية مبهمة. 

ـــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك