المقالات

الأيدي المتوضأة

775 2020-03-13

هادي جلو مرعي

 

يجيء الإنسان الى هذه الدنيا عاريا باكيا ضعيفا، تتلقفه الأيدي الحانية، وتضمه الصدور المفعمة بشعور الطمأنينة والمحبة، ثم يتقدم في مسيرته الدنيوية، ويكبر رويدا، ويتقوى على شؤون الحياة، ويمارس دوره بطريقة ما يفهمها، أو تفرض عليه، ولعله يستسلم لمايجده من فكر، ومن عادات وتقاليد ومعايير تربية وتعليم، فينشأ كما أراده الآخرون، ومن النادر ما ينشأ إنسان بإرادته وحريته الكاملة، فيفكر وينتج ويقرر وفقا لفهمه وإدراكه للحياة، ومايواجهه فيها من تحديات، ومايكتشفه منها رويدا، حتى ينضج في عمر ماويصل لمزيد من المعارف، ويتحول من حال الى حال، ولكنه في النهاية لايستطيع تجاوز حاجاته الى الطعام والشراب والمأوى واللباس والأمن، فيتخذ لأجل ذلك تدابير قد تكون مشروعة، وربما خالطها الإنحراف، وهناك من يذهب في طريق المخالفة للقانون في سبيل الحصول على مايريد، مع تسرعه في ذلك، وعدم قدرته على تحمل المصاعب، ورفضه أن يعيش في الفقر والحاجة، وينتهز الفرص التي تمر مر السحاب، لعله أن يحصل على مايريد، ويصل الى بغيته.

في العادة يرى هذا الإنسان أن مكمن القوة في المال والنفوذ والسلطة، وهي قوى تجتمع، فتوفر له سلطان الحضور والتمكين، ولايستطيع أحد مواجهته، فيكون أقوى من غيره، وبموازاة من هم أثرياء أقوياء مثله، وعندما يكون في ظروف الحاجة والضعف، يكون قريبا من الرب، ومن الحديث عن الشرف والعفة والحرام والحلال والحكمة والتروي والإلتزام بالقوانين والتشريعات الدينية، وفي زمن الضعف لاتجد من هذا الإنسان سوى مايغريك بمحبته وصحبته، فطعامه بسيط، وملبسه خشن، وجيوبه لاتكتنز المال، ولكنه في طموح وجموح لاتعرف مداه إلا حين تختبر التحولات، وترى فيها العجب العجاب، وكما حصل في بلدان العراق فقد كان الكثير من العامة بسطاء فقراء متواضعين، لايحصلون على عمل ملائم، ولاتتوفر لهم وسائل الرفاهية والإتصال الحديث، ولايملكون البيوت، ولا االسيارات، ولا الوسائل التي تريحهم، وتطمئنهم لمستقبلهم.

الكثير من العامة في العراق ممن كانوا لايملكون من حطام الدنيا شيئا، وكانوا يتحدثون عن أيديهم المتوضئة، وعفتهم وبعدهم عن الحرام، تحولوا الى سلوك صادم ومختلف بعد ذلك، فقد حدثت الإنفراجة بسقوط نظام سياسي دكتاتوري أتاح لعامة الشعب الولوج الى المؤسسات الحكومية، والى الدوائر السياسية والخدمية، ومواقع إتخاذ القرار، وفجأة صارت الأيدي المتوضئة تملك المليارات من الدولارات والدنانير، وتحصل على المناصب الرفيعة، وصارت مافيات جبارة يخشاها بقية أفراد ومجموعات المجتمع، ووجدنا طبقة إجتماعية جديدة تظهر الى العلن لم تكن تملك شيئا من حطام الدنيا، ولكنها تمتلك مالا  يمكن لفرد

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك