المقالات

عمود البيت


ضحى الخالدي

 

عاد الربيع

و أنت لم تعُدِ

يا حرقةً تقتاتُ من كبدي

و كأن لميعة عباس عمارة تتحدث بلسان فاقدة سومرية، و تعنينا في هذه القصيدة.

فقد عاد الربيع ككل سنة

و ما عادوا

عادت الأرض محررةً

و ما عادوا،

و لسان حالنا ينوح كجذع أي نخلةٍ سومرية يئنّ و قد حناه الدهر:

هلبت بختنا يجيبكم

هلبت

و نشم روايح طيبكم

هلبت

فالشوق و الذكرى في بلادي مرتبطان منذ الأزل بعطر الأشياء و الانسان

قبل ان يكتشف العلم الحديث جوار مراكز الذاكرة لمراكز الشم في فصوص الدماغ

لأن الشوق عندنا مرتبط بقلوبنا

قلوبنا المعلقة كمشاحيف الهور المربوطة من احدى نهايتيها الى جزر القصب و الطين، و تبقى النهاية الاخرى سائبة.... او لنقل تائهة

تعبث الريح بها فوق سطح الماء الرقراق

فلا هي مضت الى غير رجعة و نسيت معاقلها

و لا هي نسيت رائحة الأشياء .... و الانسان

نعم، فللشهادة عبق خاص يتمثل في مقولة الشهيد سليماني: " كي تموت شهيداً؛ عليك أن تحيا شهيداً"

 فالله تعالى يصطفي شهداءه و خاصة أوليائه بعناية، و هو أعلم حيث يجعل رِسالته؛

فلا تجد من بعدهم الا الأنين و الحسرة على فقدهم و فقد طيب خلقهم، و الغبطة لما نالوا من عظيم الكرامة، و الشوق للحاق بهم.

شعور غريب بالوحشة

 شيبة المقاومة ابو مهدي المهندس لأول مرة خارج الحشد المقدس شهيداً يُحتفى به في ذكرى الشهيد المقاوم.

أول ذكرى للشهيد المقاوم دون المقاوم الأممي  الشهيد الحي سليماني، فصار يُحتفى بهما، و لا يحتفيان بالذكرى.

و تستمر النائحات بأداء الدور المرسوم لهنّ منذ استشهاد دموزي محنياتٍ كقصب الهور و برديّه يتمايلن مع الريح العابثة، و الحزن وشم عتيق على الوجوه التي حفر الدمع فيها لحوداً ينام فيها الأحبة، و الأجفان أكفان و الدمع غسل، و الشيب فجر جديد في ليل ضفائرهن.

و رغم كل هذا فالرؤوس شوامخٌ، و القلوب كلمةٌ مقدسةٌ تبدأ بجبل قاف لا بحرف القاف.

دعنا نمر بكلمات أبي زهراء الحريشاوي و هو يوصينا بابنه علي.

لنحدّق إنْ تجرَّأْنا بعيني أبي صديقة الجمالي؛ هل كانتا توصيان؟

أم كانتا بحد ذاتهما وصية!

التحديق في صورته يستصرخ العبرات من أعماق الصدور حين تتذكر أن الصدق و الأمانة من الممكن أن يُدفنَا تحت التراب.

الطريق طويل

و قلوبنا المسافرة لا تخطو خطوةً  واحدةً

قلوبنا المشاحيف

لما تزل معلقةً بحبال الصبر الى جزر القصب و الطين دون ان تفلت من ربقتها، و دون ان تستقر.

تبقى تتهادى على موج الايام، و كل يومٍ يؤرقها تساؤل جديد:

تحتفي الأمم بشهدائها، قادتها، عظمائها، و تقتدي بهم كي تحيا و تستمر، الا اننا بتنا نخشى على قومنا من الانحدار المتسارع نحو هوّة لا قرار لها، و السقوط في وهدةٍ لا قيام بعده مُذْ بدأت موجة تمزيق و حرق صور الشهداء، أو رميها في أماكن تجميع القمامة؛ فهل نبكي الشهداء؟ أم الصور؟ أم نبكي وعينا؟! مصيرنا؟!

بتنا نخشى من ضيق الارض، و لعنة السماء منذ أول يوم كان فيه جزاء القادة الميدانيين الشجعان حماة الأرض و العرض و المقدسات؛ أن يُسحلوا و تُقَطَّع أوصالهم.

لذا كان لزاماً أن يكون هناك احتفاءٌ بالشهادة و الشهداء

لا بد أن يكون هناك جرسٌ دائم القرع في بطون الذاكرة

لا بد لدم الشهيد أن يستمر بالفوَران كدم الحسين بن علي، و أن نراه عبيطاً كلما رفعنا حجراً عن حجر في أروقة ذاكرتنا

لا بد له ان يفور كدم يحيى بن زكريا تحت جبلٍ من أجداث قتلى بني اسرائيل على يد بختنصّر جاوزوا السبعين ألفاً ممن جحدوا حجة الله عليهم؛ نبيهم...شهيدهم.

هكذا لا بد للدم أن يكون

ذكرى تؤرق المضاجع كي تستفيق الأدمغة المعطّلة و الأبصار المعماة، و يعي الناس و يتفكروا: على أي دينٍ قضى هؤلاء نحبهم و ما بدّلوا تبديلاً؟

و السؤال عن الدين هنا ليس عن أي طقوس و شعائر  كانوا يؤدون؟ بل عن أي قضية يدافعون؟

لا بد من ان يتكرر السؤال و ان يمسك بتلابيب الافكار المستوردة الهجينة و يحاججها:

بفضل مَنْ نعيش حياتنا المعتادة؟

و لماذا قضوا في أرضٍ لا يملكون فيها شبراً، و لا ناقةً و لا جملاً؟

و لماذا مضوا؟ و تركوا الأحبة و الأهلين؟

و النائحات حافياتٍ خلف جنازة دموزي ؟

لكل ذلك دعنا نتمعن في الصورة التي تجمع أبي منتظر المحمداوي و مهدي الكناني في ساحة المعركة؛ و للصورة خصوصية فريدة عن المقطع الڤيديوي تتوقف عندها اللحظة و تخلد بكل تفاصيلها؛ حينها ستنطق الصورة بكلمات ثامر الظفيري:

دعكَ من الإطار

و المسمار

و المطرقة

لم أكن أثبت صورة أبي

كنت أسند البيت عليها.

حينها لا بد من أن ننصت بخشوع سماوي لصدى عمود البيت و هو يرتّل آية الخلود كرأسٍ على رمح، أو في طست ذهبي :

أنا أول من يُقتَل، و آخر من يموت.

ـــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك